السبت 2018/09/01

آخر تحديث: 12:03 (بيروت)

مهرجان البندقية: صعود نيل أرمسترونغ وهبوط داميان شازل

السبت 2018/09/01
مهرجان البندقية: صعود نيل أرمسترونغ وهبوط داميان شازل
"الرجل الأوّل".. رسالة حب إلى "ناسا"
increase حجم الخط decrease
انها الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان البندقية، المهرجان السينمائي الأقدم في العالم. وللمرة الثانية الافتتاح بفيلم للمخرج الأميركي الشاب داميان شازل. بعد "لالا لاند" الموسيقي، يغير شازل الدفة، ويقدم سيرة ذاتية مع سرد تاريخي منقح ببعض من أدب الرحلة للإنسان الأول الذي وطأت قدماه القمر. يمكن القول بأن الفيلم سردٌ للمرحلة النهائية من سباق الفضاء الموازي لحياة نيل ارمسترونغ، بما يمثّله من رائد الفضاء الأوّل حتى انتصار العام 1969.

"الرجل الأول" يروي سباق وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لاستكشاف الفضاء والوصول إلى حدود لم يرها أحدٌ من قبل، المطبات واستنزافها الموارد والمعارف والحياة البشرية وهدف التفوق على الروس. "الرجل الأول" يروي بلسعة من الألم، خفايا 20تموز/يوليو1969، اليوم الأسطوري للبشرية جمعاء. نشاهد القصّة من جهة أخرى، أكثر شخصانية وشاعرية، لمحاتٌ من حياة نيل ارمسترونغ الإنسان، على الأرض، قبل وصوله القمر، حداده على ابنته التي اخذها المرض خلال فترة مزدحمة من حياته المهنية، صلابة زوجته التي قاومت البكاء يومياً عندما قصد زوجها المجهول. يعاكس الفيلم المسارات الاعتيادية لأفلام المهمات الفضائية الأخرى. عادة ما ننتقل من محاولة إلى أخرى، ومن نجاح إلى تألّق، لكنّ "الرجل الأول" يمشي فوق رمالٍ متحركة، يتقدم من جنازة إلى أخرى ومن فشل الى سقوط، يحيط بالرائد موتٌ يحاول ان يثبّت قدميه ليعيقه عن التقدّم نحو الهدف.

بجدية، فعلها شازل، وبيد سينمائية صاخبة، حتى في أوج الدراما واللحظات الحميمية. لكننا سنتذكر استخدامه المتعمد للقطات القريبة من وجوه الشخصيات، حتى بتنا على تماس مع العذاب الداخلي لها، فبدت كاميرا شازل اكثر اهتماماً بتصوير بيئة عائلية بقوة حسيّة عاطفية، على حساب تناسق القصة واتساقها. ما تمنى شازل القيام به من خلال الفيلم، واضح جداً، وهو تقديم فيلم عميق وبأبعاد نفسية لا يشابه أفلام الأبطال الأميركيين النموذجية. لكن لسوء الحظ أبقى ذلك في عداد الأمنيات. لا شك في براعة شازل في الإخراج، لكن بعد "ويبلاش" و"لالا لاند"، جاء "الرجل الأول" ثقيلاً نوعاً ما، لأن المعاناة رشحت عن كل تفصيل في الفيلم. أفرغ شازل كل مجهوده لإعادة تدوير فكرته القديمة التي استعملها في افلامه السابقة "المعاناه طريق الى التسامي"، هنا وظف هذه الفكرة بكثافة فتحوّل أرمسترونغ إلى شخصية خارقة. تصف عائلة نيل ارمسترونغ أنه "بطل أميركي متردد"، وفي الفيلم حاول شازل بكل جهده تصوير ذلك من دون جدوى، لكنّه تمكّن من إقناعنا بأنّ الرجل الأول ليس رجلاً ممتعاً، هو حقيقيٌ خجول وواقعيٌ ربما.


تجتمع كل هذه العوامل لنخرج بفيلم تقليدي وصور مألوفة ومواقف متوقعة. السيناريو الجيد الذي يروي الصعوبات، التي يواجهها الرائد والوكالة، لا يعوّض المعالجة الباهتة وغير المقنعة لهذه الصعوبات. فمهمة غزو القمر لا تستثير الغرائز، أما الاندفاع نحو الفضاء فواجب فرضه الأميركيون على أنفسهم. ريان غوسلينغ، تقمص شخصية نيل، ونجح تماماً في أداء الشق الشخصي ناقلاً مشاعر الرائد وصعوباته كإنسان، وما وراء ذلك من مآسٍ. لكن كلير فوي، في دور زوجة أرمسترونغ، تفوّقت على الممثل الرئيسي، بديناميكيتها وقوتها فرضت شعوراً واحداً طوال الفيلم، بإصرار وصعوبة: القلق والحزن يهيمنان بألف حركة من يدها وتعابير وجهها.

"الرجل الأوّل"، رسالة حب إلى "ناسا". الفيلم سيكون جماهيرياً بكلّ تأكيد لأنه في المقام الأول توثيقٌ لرحلة تاريخية، وثانياً لأنه يكشف تفاصيل شخصية حميمة غير معلنة. "الرجل الأول" فيلم يعرفنا من قرب على الرجل الأول الذي مشى على القمر، نقل طبعاً النزعة البطولية الأميركية، أوعز بكثير من المثالية عن الإيمان بالروح البشرية ومرر مشاعر العظمة والفخر. بعد فيلمين ضاربين يأتي "الرجل الأول" لداميان شازل فيلماً متشنجاً وملهماً. إنّه فيلمٌ لرفع الروح المعنوية، ولتذكر ايام عظيمة للبشرية لا أكثر ولا أقل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها