الخميس 2018/08/09

آخر تحديث: 11:58 (بيروت)

نظام الإبادة يتلبنن

الخميس 2018/08/09
نظام الإبادة يتلبنن
المغني السوري ناصيف زيتون في قلعة دمشق
increase حجم الخط decrease
بالتوازي مع الإبادة التي يواصل ارتكابها بحق السوريين، يمضي نظام بشار حافظ الأسد إلى تنظيم مهرجانات فنية، يشارك فيها عدد من الفنانين العرب، لا سيما اللبنانيين منهم. مثلما أنه، وفي الوقت عينه، يبدي تحويله سوريا، التي دمرها، إلى رجاء للعمل الاقتصادي في سياق ترتيبه لورشة إعادة إعمارها. 

غالباً ما يجري التعليق على هذا الوضع بأن النظام يريد التأكيد على أن البلاد على ما يرام، بحيث أن الأمان يطغى عليها، إثر "مكافحة الإرهاب". من هنا، ينكر كونه أطاح فيها أناساً وعمراناً، مثلما يتستر على ركامها، مقدماً إياها في صورة لا تتصل بها، بل إنها متناقضة معها بالكامل. إذ إنه يغطي المجزرة، بكل مقالبها، بالحض على الإحتفال.

يصح هذا التعليق، وهو، فعلياً، دقيق. فالنظام يبغي الإعلان أن سوريا بخير، وما حدث لها قد انتهى، وها هي تعد بالإزدهار والنمو. إلا أن وعدها هذا يرادف شيئاً محدداً، أي إعادته لها إلى السابق على الثورة فيها، أي سياسة "السوق الاجتماعي"، التي اعتمدها كطريق إلى حداثتها. بالتالي، الحرب، التي شنها عليها، ليست من أجل حماية تلك السياسة وغايتها فحسب. لكنها أيضاً شكل لتمهيد تطبيقها، أو بالأحرى للإفراط في تطبيقها. لا سيما أنها، هذه المرة، بلا عقبات أمامها. فالأرض التي ستدور عليها، هي أرض مقفرة سوى من حطامها، ومستوية فوقه، حيث بمقدورها أن تنطلق بلا أي إعاقة لها.

في هذا السياق، يستأنف النظام، سوريا ما قبل الثورة. وما هذا الإستئناف سوى بلورة لخلاصة سياسته فيها: تهديمها بوصفه مقارنة لها بالحداثة. فتحديثها، الذي قطعه العام 2011، ارتكز إلى الحرب لكي يصير متيناً، ولكي لا يعود في بدايته، بل يقترب من مقصده. كما لو أن الحرب كانت توسيعاً له، بمعنى أنها إطالته، وبمعنى أنها استطاعته. لم تكن الحرب منفصلة عن سياسة النظام التحديثية، كانت مُسّرِعة إلى تنفيذها، وما تسريعها سوى القضاء على كل معترض عليها نتيجة إصابته بعنفها. لقد أباد النظام السوريين لكي يعزز "السوق الاجتماعي"، لكي يجعله سوقاً مرفوعاً على جثثهم، لكي يبلغ حصيلته، أي أنه سوق ظلامي بامتياز.

لهذا، وحين يحتفل النظام، فليس من أجل التستر على إبادته ونكرانها فقط، بل من أجل الإحتفال بإنجازه، بكونه يقدر، وبفعل حربه، على تحقيق سياسته التحديثية بسهولة، بلا أن يعرقلها أحد، وباعتبارها سبيله إلى الإتصال بمثيلتها العالمية أيضاً. يحتفل النظام بأنه حوّل حربه إلى باب الحداثة. بأن هذه الحرب، التي مارسها في حق السوريين لكي يوقف ثورتهم، وعدا عن تمكينه من هدفه هذا، خوّلته الإندماج في الحداثة العالمية التي اتهمها بأنها، وبأممها، تساندهم، لكنها لم تقابل غيره. يحتفل النظام بقتله السوريين، كإمتداد لسياسته التحديثية، وكتحضير لإتمامها. ويحتفل لأنه، وبهذا القتل وبهذه السياسة، يظفر بعالميته.

وأن تكون حرب النظام على السوريين باباً إلى الحداثة، وأن تكون هذه الحداثة أولياً إجراءً إحتفالياً، فذلك كله يؤدي به إلى اللبننة. فصحيح أن لبنان كان ولا يزال مختبر النظام الأسدي، غير أنه بمثابة حالة عالمية، مفادها الأساس: جَعلُ الحطام قوام "السوق الاجتماعي"، جَعلُ الخراب قوام السلم، وجَعلُ العنف قوام الأمان، وبعبارة واحدة: جعل الحرب قوام الاستقرار. لهذا السبب تحديداً، وبعيداً من استقدامه الفنانين اللبنانيين، فإن لاحتفال ذلك النظام طابع لبناني، طابع يستكمل حداثته، ويحمله إلى عالميتها التي، ومع أنه يبدو محاكياً كوميدياً لها، نتيجة تقادمه البعثي الجلف، إلا أن هذه المحاكاة، وباستيحائها من اللبننة، هي نمط من أنماط التحديث، والإفلاح بها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها