أشار معالي الرتبة إلي الشاشة التى كانت تعرض مسلسل "نسر الصعيد" لمحمد رمضان، والذي يدور حول مغامرات ضابط يحارب الإرهاب، ويستمتع بركوع النساء تحت قدميه. تعاطفتُ مع معالي الضابط: "معاك حق يا أفندم، بس ما هو برده الوزارة عندكم هي اللي انتجت المسلسل ده".
تراجع في كرسيه، وقال: "وشرفك ما هيطول منهم ولا حاجة، خلاص المسخرة والفوضى بتوع آخر كام سنة دول هينتهوا".
"المسخرة والفوضى" كان مصطلحه المفضل حينما يشير إلى 25 يناير وما قبلها وما تلاها، ولا شيء يلخص ما هي المسخرة والفوضى اللتين يقصدهما سيادته سوى مسيرة محمد رمضان تحديداً، دون غيره من الممثلين.
بدأ محمد رمضان مسيرته كممثل العام 2001، في أدوار صغيرة ضمن موجة أفلام الشباب، التي كان نجومها محمد هنيدي وشركاه في بداية الألفية، كما شارك في أدوار صغيرة في عدد من المسرحيات. ظل على الهامش أكثر من عشرة أعوام، يظهر في بطولات جماعية، وأبرز أدواره حينما قام بدور أحمد زكي في مسلسل "السندريلا سعاد حسني"، والسادات في مسلسل "كاريوكا". ذكريات رمضان عن فترة بدايته والتي يصر على تردادها، تدور حول الاضطهاد الذي عاناه بسبب لون بشرته، وبسبب ملامحه الشعبية، إذ دائماً ما كان يُستبعد من أدوار البطولة والنجومية لأنه ليس "أبيض" أو ذا عينين ملونتين.
المظلومية عنصر من عناصر النجاح الفني والشعبي. المصريون يخلطون دائماً بين الحب والشفقة، والفنانون الذين يحسنون الترويج لمظلوميتهم دائماً ما يتم احتضانهم. كان عبد الحليم هو الرائد في هذا المجال: اليتيم، الفقير، المظلوم لأن المجتمع البرجوازى لم يتقبله. وحتى بعدما أصبح حليم، النجم الأول والأوحد، بات رمزاً لصورة الفنان المريض الذي تنشر المجلات الفنية صوره وهو على فراش المرض. ثم كرر أحمد زكي الأمر ذاته، متقمصاً للأبد مظلومية عبد الحليم. زكي الذي كان من نجوم الصف الأول، على مدار أكثر من عشرين عاماً، أتذكره وهو في قمة مجده بعد فيلم "السادات" في حوار تلفزيوني، يشكو اضطهاده لأنه ليس "أبيض" وبعينين ملونتين. وفي تماشٍ مع "فن المظلومية"، أنهى زكي حياته متقمصماً أروع أدواره، متلبساً حالة المظلوم الأبدى في فيلمه الأخير الذي مات قبل أن يكمله: "حليم".
ومحمد رمضان ابن هذه السلالة. حتى العام 2010، كان قد ظهر في أدوار مؤثرة، لفتت الأنظار إليه، وأبرزها مشاركته في فيلم "احكي يا شهرزاد" ليسري نصر الله. لكن البطولة كانت العام 2011، مع ثورة يناير، في فيلم "الخروج"، والذي حصد الكثير من الجوائز، لكن الرقابة اعترضت عليه بسبب حساسية موضوعه (قصة حب بين فتاة مسيحية وشاب مسلم). وفي النهاية، حينما عرض الفيلم في زخم أحداث ما بعد 25 يناير، كان الزمن قد تجاوزه والمزاج الجماهيري لم يكن مستعداً له. فشل الفيلم تجارياً، فأعاد رمضان مرة أخرى إلى ساحة البطولات الجماعية.
المزاج الشعبي لعالم حَواري القاهرة ما بعد 2011، تميز بالجرأة والإقدام. فالسلطة ممثلةً في أقسام الشرطة كان قد نُكل بها، حرقت الأقسام وأجبر الضباط على خلع ملابسهم والسير بالملابس الداخلية لكي ينجوا بحياتهم.
أما المواطن المظلوم، المضطهد الأبدي، الذي كان يجد صورته في دماء عبد الحليم التي يتقيأها على المسرح، أو أحمد زكي الذي تخترق رصاصات الأقوياء جسده في نهاية كل فيلم من دون أن ينتقم لشرفه أو يأخذ حقه... هذا المواطن الذي عشق دائماً الأبطال المظلومين، أو الذين يتقبلون الظلم بالنكتة والاستظراف، على طريقة عادل إمام ومحمد سعد اللمبي، هذا المواطن العشوائي الجديد الذي شارك في حرق أقسام الشرطة، وأصبح حراً الشوارع المفتوحة... اعتقد أنه أسد، وسينما المظلومين والفئران لم تعد تناسبه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها