الجمعة 2018/08/03

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

"هيبز" جمال حيدر: تأريخ لانتفاضة اللذة

الجمعة 2018/08/03
"هيبز" جمال حيدر: تأريخ لانتفاضة اللذة
الاستقالة من ثقافة الاستهلاك السائدة، ورفض الرأسمالية
increase حجم الخط decrease
من هم الهيبز؟ كيف عاشوا؟ ما هي نظرتهم للحياة وتجربتهم ومواقفهم اتجاه العادات والتقاليد وأنماط الحياة السائدة في المجتمع؟ هذا ما سعى الكاتب العراقي المقيم في لندن، جمال حيدر لإماطة اللثام عنه في كتابه "الهبيز"(*) بقراءة تؤرخ وتركز على تشخيص القيم التي سعت تلك الحركة في أميركا وأوروبا لتطبيقها، معتمدا إبراز فلسفتهم ورؤاهم وأفكارهم وتجاربهم، ومستحضرا المناخات العامة التي أحاطت بهم، ومستشهدا بآراء عدد من الباحثين الغربيين الذين صنفوا مؤلفات حول هذه الظاهرة الاجتماعية التي انتشرت في أميركا وأوروبا بدءا من أواخر الخمسينيات إلى منتصف سبعينيات القرن المنصرم.

ظهر مصطلح "الهيبز"، في أواخر خمسينيات القرن العشرين، بين طلاب بعض الجامعات، وما لبث ان انتشر في باقي أرجاء الولايات المتحدة ودول الغرب. حيث أضحت البيئة الاجتماعية ترزح تحت ضغط مزيد من التحفظ والرقابة والقمع، إثر اجتياح هستيريا الحرب الباردة، والتسلح النووي. كل هذه الأمور أدت لظهور حركة شبابية متمردة عرفت أولا باسم "جيل البيت" ثم تحولت إلى "الهيبز". كان قادة هذه المجموعة من المثقفين الشباب الذين وجدوا أنفسهم في الاستقالة عن ثقافة الاستهلاك القائمة، ورفض الرأسمالية، والاعتراض على الظروف الحالة في مجتمعهم، من قبيل حرب فيتنام، وانتهاك الحقوق المدنية بشكل أو بآخر، والنفعية، وغيرها، وترجمت حركتهم الاعتراضية بالدعوة إلى السلام العالمي، وأدانوا ما يعيق الإنسانية بمفهومها العام، مؤكدين على أهمية التعبير عن المشاعر بصدق، رافعين شعارهم الأثير "مارس الحب وليس الحرب" مستندين إلى مبدأ "قوة الزهور" باعتباره الأكثر مضيا أمام كل أنواع الاسلحة، مبلورين مواقفهم هذه على شكل أنها تعبير عن حبهم للطبيعة والتصاقهم بها. وانعكس هذا بنوعية ملابسهم والموسيقى التي استمعوا إليها، والوعي البيئي، وحقوق المثليين، والجنس، والمخدرات.

بدأ ظهور حركة الهبيز في سان فرانسيسكو – كاليفورنيا، ثم انتشرت حتى وصلت إلى كندا وأوروبا، ويعتبر الشاعر آلن غينسبيرغ هو الأب الروحي لها. ولعل البارز انحدار معظم الهبيز من الطبقة المتوسطة البيضاء، وقد تراوحت أعمار معظمهم بين 15 -25 سنة، بهذا أصبح المراهقون يدافعون عن آرائهم ومعتقداتهم الخاصة في وجه أسرهم والمجتمع، ويعمدون لترك بيوتهم في سن مبكرة للانضمام إلى جماعات الهبيز، سخطا على البالغين واهتماماتهم التي تنصب رأسا وخاصة على جني المال. ووجدوا بالمقاهي مجالاً واسعاً للتلاقي وتبادل الأفكار والآراء، ومناقشة ما يجري في العالم من حولهم.

عاش الهبيز بمجموعات صغيرة، يتحد أفرادها ويتعاونون فيما بينهم، متقاسمين الملكية. وقد رفض كثير منهم الارتباط بعمل أو بيت ثابت، وكانوا ينتقلون من مكان إلى آخر مستخدمين الدراجات النارية، بحثا عن عمل جزئي ومأوى غير دائم، في حين أن البعض الآخر اختار الشوارع أو المخيمات أو المتنزهات والميادين العامة مقرا له، وأطلقوا شعرهم ولحاهم، وارتدوا الملابس الغجرية الملونة التي أطلقوا عليها اسم "تاي فاي"، وانتعلوا الصنادل، وبعضهم فضل السير حافيا، وقد مثلت أزياؤهم حالة من البوهيمية بألوانها الفاقعة والفضفاضة، والتي وجدت فيها دور الأزياء العالمية وعدد من المصممين عنوانا لإطلاق الموضة الحديثة والصارخة في عصرنا الحالي.

أدمن الهبيز أقراص LSD والماريغوانا حتى بلغ عدد المتعاطين منهم حوالي 8 ملايين شخص، واعتبروا المخدرات طريقا لخلاص العالم. وكان للموسيقى دور أساسي في ما اعتبروه نقلا لرؤاهم، وتوضيحا لتوجهاتهم، وترجمة لأفكارهم، وكانوا يعتبرون الفرق الموسيقية من مثل "البيتلز" البريطانية، مروراً بجون بايز، وفريق جفرسون، وغريتفلد ديد، وذا دورز، وفلفيت، وبوب ديلان، ناطقين باسمهم، ومبشرين بعالم جديد أفضل. كما كان للجنس دور مهم في اتحاد هذه الجماعة معتبرين ان اللذة هي التجلي الاوسع للحرية ولمفهوم الانسانية.

يذهب جمال حيدر إلى أن القيم الهبية تستند لعاملين أساسين، هما: القيادة والجمهور، فمن السهولة حقاً معرفة ديناميكية هذين العاملين في ظل الحياة المشتركة لتجمعات الهبيز. واعتبر أن عددا من رواد الثقافة من الهبيز، قد حددوا مفهوم القيادة في حيز مهم من الحرية الفردية. ورغم سطوة شهرة القادة وتأثيرهم الفعلي، إلا أن الشباب الذين شكلوا أساس قيم الهبيز، كانوا مجموعة منغمسة في فعاليات متعددة، اختصروا وجودهم وتأثيرهم في مساحة من بساطة العيش والتحرر الذاتي. ويجد أنه من الممكن معرفة الخيارات التي تبناها الهبيز في تفاصيل حياتهم، خصوصاً ما يتعلق بنمط الحياة الذي اصبح سمة واضحة لهويتهم التي تستند إلى الثلاثي الأكثر أهمية بالنسبة لهم والذي شكل مسارهم للحصول على اللذة: الموسيقى، الجنس، والمخدرات، إضافة إلى الانغماس في حركات الرأي العام التي ظهرت على سطح الحياة السياسية في تلك الفترة الزمنية.

يرى تيموثي ميللر في كتابه "الهبيز والمعايير الأميركية" أن فكرة الهبيز تتبلور حول محور "إذا شعرت بقيمة الأشياء، جربها، طالما لم تسبب ضرراً لأحد"، بمعنى ان فلسفة الهبيز تعتمد على عنصرين مهمين: عيش الملذات، ومن ثم ليس هناك من مجتمع نموذجي تحدد فيه قواعد السلوك العام. وقد أكدت الهبية على الحقوق الفردية والحريات، بعيداً من أي إطار عقائدي أو فكري، والانسلاخ عن كل ما هو سائد، من دون أن يجدوا بدائل عملية فعلية أو فعالة.
يعتبر الكاتب أن حياة الهبيز يمكن وصفها بالانتفاضة الشبابية، الضاربة عميقاً بتحدي المعايير الاجتماعية والقيم السياسية. ويجد أن هذه الحالة شهدت تطورا ملحوظا ابتداء من العام 1965، إثر الندوات التي نظمها "جيل البيت"، إلى جانب عدد من الحفلات الموسيقية في مدينة سان فرانسيسكو التي شهدت ازدهار واسعا، وإقبالا كبيرا من الهبيين، كما انتشر اتباع هذه الحالة في غرينيتش فالي وفيرجينيا ونيفادا. هذا وبالموازاة مع الحفلات قررت مجموعة من الهبيز تشكيل ثورة ثقافية تعمل على خلق وعي فكري يمثل بوصلة لهم، لتنبثق مجموعة تحت اسم "ديكرز" كان أغلب اعضائها من مجموعة "فرانسيسكو مايم غروب" المسرحية التي نحت باتجاه فعاليات سياسية مشاكسة، تهدف إلى توعية الهبيز بانتفاضتهم وتحريضهم على إيجاد الحلول البديلة لأزمات الحياة.
وقد رافق الهبيز على صعيد الفن ظهور حركة فلوكسس في بداية الستينات في أميركا وأوروبا، وهي حركة كانت قد شكلت امتدادا للحدوثية الأميركية، وكانت كالدادائية تطمح للتحرر من مختلف أنواع الكبت، وتحث على الفوضى، ورفض الحواجز المصطنعة بين مختلف الفنون.

من مقدمة كتاب جمال حيدر:

الجسد الموسيقى والمعرفة المضادة 

يبحث الهبيز على الدوام عن التحرر من السياقات المعدة سلفاً، ابتداء من المنزل والجامعة والعمل والعلاقات الاجتماعية، لايجاد الذات الضائعة في طاحونة أنظمة اتصفت بعدم الرحمة فيما يخص البشر وهواجسهم الحياتية، عبر الرفض لكل ما يعيق الأحلام. حتى الصغيرة منها، ورفض الحروب والتسلح وتسليع البشر والهيمنة الصناعية والقيم المتوارثة، وحماية البيئة والمطالبة بحقوق متساوية للسود والنساء، وضد ثقافة الاسمنت التي بدأت تزحف وئيداً لتقضم ما تبقى من مساحات خضراء، لتصل تالياً إلى القلب. واستطاعوا في عقد من الزمن تغيير مسارات الكثير من تفاصيل الحياة في أميركا وأوروبا في عصر أنطبع بحركتهم، واتسم بتغييرات مفصلية إثر الحرب الكونية الثانية التي شهدتها البشرية جمعاء، واتساع ظاهرة القمع في تجارب سياسية تمثلت بالنازية والفاشية والستالينية. يتضمن هذا الكتاب الفصول التالية: المنشأ، الجسد والحب، عالم المخدرات، الرؤية السياسية، الأدب، الموسيقى. الهيبيز في أميركا  بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان.  تذكرت مراهقتي في النصف الأول من السبعينات، شعر طويل وبنطلونات واسعة الأقدام وقمصان مزركشة بألوان زاهية. ضحكت من الأعماق لأني كنت هيبياً، رغم أن الظاهرة وصلتنا مع ختام فصلها الأخير في بقاع عدة من العالم.. هكذا هي الأمور، تأتينا الموجات.. أغلبها، حين تخمد في مساحات تفجرها. تذكرت بأني كنت أرسم شعارهم، والعبارة الملاصقة له: "مارس الحب.. لا الحرب" على حقيبتي المدرسية، إلى جانب مفردة الحب بشكلها السبعيني والزهور المحيطة بها، وهوسي بفريق البيتلز وريادته الموسيقية، خاصة ما يتعلق بمفردات أغانيه التي أكتسحت جهات الأرض الأربع، لتؤسس ثقافة موسيقية مغايرة، ويسارية ـ عبثية، جون لينون.. وتالياً فريق "بنك فلويد" الذي خلبت عقلي صورته الكبيرة على واجهة أحد محال بيع الكاسيتات في الصالحية في بغداد لم تكن مسألة الانتماء، ولو شكلياً، إلى الهبيز في المنطقة العربية، والعراق تحديداً، بالامر اليسير، إذ شن محافظ بغداد آنذاك، خيرالله طلفاح، المتنفذ في نظام ابن شقيقته، صدام حسين، حملة قادها بنفسه، شاهراً ماكينات الحلاقة ضد الشباب، ومطلياً سيقان الفتيات المرتديات ملابس قصيرة، بالاصباغ.

(*) "الهبيز ... الجنس الموسيقى والمعرفة المضادة" عن دار ألكا

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها