الثلاثاء 2018/08/28

آخر تحديث: 11:40 (بيروت)

عن أفيتال رونيل.. الفيلسوفة النسوية المتحرشة

الثلاثاء 2018/08/28
عن أفيتال رونيل.. الفيلسوفة النسوية المتحرشة
معنى من معاني الذكورية هو خفض النسوية إلى معرفة أكاديمية
increase حجم الخط decrease
أفيتال رونيل، فيلسوفة وأستاذة الأدب المقارن في جامعة نيويورك، نشرت عدداً من الكتب النظرية اللامعة، وذاع صيتها منذ السبعينات كنسوية شجاعة للغاية. في منتصف الشهر الحالي، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن جامعتها علّقت عملها نظراً إلى تحرشها جنسياً بأحد طلابها ويدعى نمرود ريتمان. إذ إنها، وبحسبه، وطوال سنوات، استخدمت سلطتها من أجل إجباره على تلقي مضايقاتها اللفظية والجسدية، ومن جهته، امتثل لها لكي يحمي مستقبله المهني، بحيث أنها قادرة على نزعه.

إثر القضية هذه، وعلى عادة تفاعلية سائدة، انقسم المتابعون بين مدافعين عن رونيل ضد تلميذها، وبين مدافعين عن ريتمان ضدها. وفي نتيجة الإنقسام، طرحت استفهامات عديدة، وفي مقدمتها: كيف يمكن لفيلسوفة مشهورة بنسويتها أن تُقدم على ابتزاز أحد طلابها جنسياً؟

الإجابة الغالبة على هذا الإستفهام تؤكد أن فصل نسوية رونيل عن تحرشها، ليس دقيقاً، إذ إن الثاني يبدي الأولى على مضمونها، أي مجرد خطاب لمزاولة السيطرة، خطاب يعين على هذه السيطرة، لا سيما حين يكون موضوعها، أي المنصاع لها، مصدقاً به. فأن تتحرش إحدى النسويات بغيرها، هذا يعني أن النسوية، التي تأخذها كمنظورٍ، ليست، في يدها، سوى أداة قهر. وبالتالي، من أجل إطاحة المتحرشة، لا بدّ من تحطيم أداتها تلك، عبر تدبيج مقولة بعينها، وعبر التشديد عليها من خلال تردادها بمناسبة ومن دونها، ومفادها الشعاراتي: تسقط النسوية!

لا ضرورة للإشارة إلى أن رونيل تحث على هذه المقولة، وتعززها. فالمسلك الذي اعتمدته، يبررها. لكن لا داعي للإشارة إلى أن المقولة نفسها باطلة تماماً، كما يتصف مبررها بالسوء. ليس السبب أن حالة رونيل هي حالة مفردة، أي كونها نسوية ومتحرشة، فهذا لا يدفع إلى الإعتراض على النسوية، بل إلى تأثيم المتحرشة شخصياً. ليس هذا هو السبب، إلا أنه متعلق بكون تلك المقولة لا تنتبه إلى أن النسوية، التي تنتج حكمها على أساسها، هي، بدايةً، نسوية مؤسساتية، وتحديداً، نسوية أكاديمية. إذ إن المؤسسة الجامعية تحولها إلى معرفة من معارفها، وتدمجها في هذه المعارف. ونتيجة ذلك، وبالتوازي مع جعلها سبيلاً إلى النظام الطاغي الذي يحتويها، تفرغها من شدتها لتصير درساً. وكأي درس، لا يتبدل فعلياً مَن يطلع عليه، غير أن التبدل الوحيد الذي قد ينتابه هو حفظه بإتقان، وإلقائه بدقة، ولاحقاً، الضبط بواسطته، والتجنيح به.



فحين كانت رونيل تتحرش بريتمان، كانت تعلق نسويتها. وبهذا التعليق، كانت تبرهن على أن هذه النسوية مجرد معرفة أكاديمية، من الممكن إيقاف تنفيذها حيناً، والإفراط في تنفيذها حيناً آخر. وربما، وفي لحظة تعليقها، تظن أنها تتفلت منها، من واجباتها اتجاهها، كإبانة فعاليتها بتأليف الأبحاث، والبيانات، والكتب، والإطلالات، أي الإنتاج على العموم، بالإستناد إليها. لكنها، في الواقع، لا تتفلت منها. بل، وعلى أساس مسلك التعليق، أي التحرش، تكرس وضعها. وفي السياق نفسه، وعندما تبغي رونيل تعليق تلك المعرفة، فهذا بمثابة دليل على أن هذه المعرفة تضيق عليها، على أنها موظفتها، التي، وبعطلتها منها، تمارس نفيها. وهذا، بالتضييق على غيرها. المعرفة تتحرش برونيل. ورونيل، لكي تعطل منها، تحذو حذوها اتجاه طالبها، أي تتحرش به. طبعاً، لا عطلة هنا، بل هناك خوف من خسارة الضيق. هناك إثبات للمعرفة، إنتاج خلاصتها، إثبات أن ذروة إنتاجها هو إنتاج الإكراه.

معنى من معاني الذكورية هو خفض النسوية إلى معرفة أكاديمية، أو مؤسساتية على العموم. معرفة لا تبدل المطلع عليها. ومن ناحية أخرى، ولكي يشعر بأنها تبدله، عليه أن ينتجها بتضييقها عليه، وعندما يتوقف عنها، يخفضها أكثر، منتجاً لتضييقها نفسه. وهذه المرة، ليس عليه، بل على غيره، الذي يلقنه إياها. على هذا النحو، الممارسة النسوية الآن هي تحرير النسوية من الأكاديميا ومعرفتها، ومن أي شكل من أشكال مأسستها، وانسداده. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها