الإثنين 2018/08/27

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

لماذا يقطع الـ"أندرغراوند" مع ماضيه؟

الإثنين 2018/08/27
لماذا يقطع الـ"أندرغراوند" مع ماضيه؟
سرديات الموسيقى البديلة لا تزال تتسم بنفوذ كبير
increase حجم الخط decrease
أظهر انقسام بيروت إلى منطقتين خلال الحرب الأهلية، انقساماً آخر، عبّر عن نفسه في الموسيقى التي تسمعها كل مدينة، وأتى ترجمةً للخيارات السياسية والثقافية التي أخذتها الفئات الإجتماعية المختلفة التي تعيش فيها. فمن بين أنماط الموسيقى الغربية التي كانت سائدة في تلك الفترة، اختارت المنطقة الشرقية موسيقى الروك لتكون الأكثر تعبيراً عن أهوائها وطموحاتها للإنعزال عن محيطها والتماهي مع الغرب، بفي مقابل أنماط مختلفة كلياً في المنطقة الغربية، كالجاز والموسيقى اللاتينية وغيرها، التي تعبر عن المزاج اليساري الثوري، المتعاطف مع بلدان العالم الثالث والمهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة.


وبعكس تلك الفترة، لم يعد الإنقسام السابق واضحاً في المدينة اليوم، رغم أن موسيقى الروك لا تزال حاضرة بقوة، والأنماط التي كانت موجودة خلال الحرب لا تزال تأخذ حيزاً كبيراً من الإنتاج. وطبعاً ليس السبب هو رغبة اللبنانيين في التعايش، أو تدني نسبة الفرز الطائفي بين المناطق، بل ما حصل هو أن هذه الأنماط كافة أصبحت منضوية في السردية السائدة، ضمن ما صار يعرف بالموسيقى البديلة، التي ظهرت ضمن الأوساط التي تقع في مكان وسطي وغير المحتسبة على طرف معين، وقد ازدهرت في شوارع السهر التي تقع في مكان قريب من خطوط التماس السابقة، مثل مونو والجميزة.

وهذا الجمع بين عشرات الأنماط تحت تسمية واحدة، هي الموسيقى البديلة، لا يمكن فصله عن المشكلة الرئيسية التي تعانيها أنماط الموسيقى الغربية في لبنان منذ ما قبل الحرب، وهي عدم وجود سوق تنتمي إليه، يؤمن لها البيع والإنتشار، وقد كان الموسيقيون في السابق يحاولون قرع أبواب شركات الإنتاج الموجودة في بريطانيا أو الولايات المتحدة، لتأمين الإنتشار وبيع الإسطوانات، وهذه مهمة شبه مستحيلة بالطبع، لم ينجح فيها سوى عدد قليل ولفترات محدودة. لذلك أتى جمع الأنماط تحت خانة واحدة، كحل جزئي للمشكلة، يمكنه في أحسن الأحوال تأمين عدة آلاف من المشاهدات في "يوتيوب"، ومساعدة الموسيقي للوصول إلى الجمهور المحلي بطريقة أسرع.

لكن رغم الإيجابيات التي حققها جمع هذه الأنماط ضمن تسمية واحدة، ظهر جانب سلبي في سردية هذا المشهد عن نفسه، هو القطع الواضح مع الفترة السابقة، وقد أتى هذا القطع بشكل موازٍ لما حصل في لبنان خلال التسعينات، عندما منع الحديث عن الماضي وقطعت المدينة مع ذاكرتها لمصلحة لبنان جديد عنوانه إعادة الإعمار وإعادة المؤسسات. وكما يبدو، أراد الفاعلون في المشهد الموسيقي الجديد أن يظهر الأخير كجزء من هذه المدينة الجديدة التي لا علاقة لها بالحرب وأتت من اللا شيء، أو في أحسن الأحوال بفضل مغتربين عادوا من الخارج، كما يردد البعض من وقت لآخر.

كما يمكن رؤية هذا القطع، كتصرف نمطي يتبعه الفاعلون الرئيسيون في وسط معين، يحاولون استبعاد أي شخص يمكن أن ينافسهم على أبوية معينة يلعب القدم دوراً فيها، كما يفعل أي إنقلاب يسعى للشرعية من خلال الإطاحة بالفاعلين السابقين، وذلك عبر وسائط إعلامية ومجلات ومواقع إلكترونية، تحديداً كما حاولت وسائل إعلام السلطة، تبرير حضور قوى سياسية جديدة لا تتمتع بالشعبية، استفادت من الإنقلاب الجزئي على القوى المسيحية التي كانت فاعلة خلال الحرب.

والمشكلة تكمن اليوم في أن سرديات الموسيقى البديلة لا تزال تتسم بنفوذ كبير. فعلى سبيل المثال، استبعد مقال ظهر منذ أيام في مجلة Revolver، لأفضل مئة أغنية في مشهد "الأندرغراوند" (التسمية الأخرى للمشهد البديل)، كل الإنتاج الموسيقي الذي سبق العام 1990، مؤكداً بطريقة أكثر من بديهية، على أن المشهد برمته ينتمي إلى ما بعد الحرب، ولا صلة له بما كان خلالها. وهذا المقال ليس نموذجاً فريداً طبعاً، بل يعتمد على السردية نفسها التي يرتكز عليها كل ما تناول هذا المشهد تقريباً، إن كان في لبنان أو في الخارج.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها