الأربعاء 2018/08/15

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

إلى إيفلين حمدان وعائلة مهدي عامل..

الأربعاء 2018/08/15
إلى إيفلين حمدان وعائلة مهدي عامل..
ترك النص على شكله الحالي سيجعل التعرف على مهدي عامل بعيد المنال
increase حجم الخط decrease
ثمة أمر مزعج في كتاب السيدة إيفلين حمدان، "رجل في خفين من نار"، عن رفيق دربها وقرينها الفيلسوف الماركسي حسن حمدان، الشهير بإسم مهدي عامل، وهو ليس سرده المتلهف، وليس لغته المترجمة على برقشة بائنة، بل إنه طرز طباعته تحديداً. فالكتاب، ولأنه منشور بلغتين، أو بلسان ثنائي، بحسب تعبير حفيدة عامل، إليسا، وهي صاحبة قرار النشر على هذا النحو، كان لا بدّ من تضمينه النصين، الأساسي الفرنسي، ومصاحبه المعرَّب. إلا أن هذا التضمين لم يستقر على تنضيد يسير. بل على العكس تماماً، ظل، وطوال صفحاته، عويصاً، ولا يؤلف شكلاً يدعى كتاباً، بل جمعاً ورقياً مقسماً من دون أن يؤدي تقسيمه سوى إلى جعله كلاً متقطعاً وملخبطاً.


وبالفعل، لا يمكن قراءة الكتاب مباشرةً، وبلا توقف. فعند الانتقال من صفحة إلى أخرى، من النص الفرنسي إلى ثانيه المعرَّب، يصير من اللازم التأكد إن كان هذا الإنتقال سيحمل إلى متابعة المقطع نفسه أم غيره. للكتاب مسار لاتيني، من اليسار إلى اليمين، يبتره مسار ترجمته المخالف له، أي من اليمين إلى اليسار. وبذلك، يرتطم المساران، ولا تعود متاحة مواصلة القراءة بسهولة، فيغدو الإستفهام الذي يحكمها: هل استكمالها يعني الرجوع بصفحتها إلى الخلف، أم التقدم بها إلى الأمام؟.

طبعاً، تحدثت حفيدة مهدي عن "تناوب اللسانين (لـ)إبراز القيمة الماثلة في خاصية ثنائي استطاع، بما له من انفتاح على الآخر، صهر الثقافتين المشرقية والغربية"، كأن في "تناوبهما" إشارة إلى الصلة الحبية التي ربطت إيفلين الليونية، بحسن الجنوبي. على أن "التناوب"، الذي يجري ذكره، يغيب عن الكتاب، ليحل مكانه إلتكاك مفرِق، سرعان ما يعرقل "انفتاح" القارئ على النصين اللذين لا ينصهران، بل يتجمدان، ويعيقان بعضهما البعض. ومن هنا، تصير القراءة شبه محالة إلى درجة انقلابها إلى تصفح، ولاحقاً، إلى تفرج على صور موضوعها، عامل، والتعرف عليه في عيشه من خلالها. وبالتالي، تضحى محور الكتاب من جراء وضوح تنسيقها، وسهولة التنقل بينها، بحيث أنها بمثابة ألبوم يتوسط نصين متشابكين حتى التوقف عليه. فحين ينتاب القارئ إندفاع إلى القراءة، لا سيما أن المكتوب أمامه مجهول، يصطدم بمطبوعه النصي، فيقلع عنه إلى مطبوعه الصوري. وقبل ذلك، وبعده، يحاول دائماً أن يطلع على فصل أو مقطع.

لكن، هناك أمر مزعج آخر في الكتاب، وهو متعلق بالمذكور أعلاه، بحيث أن صفحاته تفوق الألف. وبالتالي، وغير أن تداخلها وتلخبطها يحبطان القراءة، إلا أنها تجعل الكتاب ثقيلاً للغاية، فيصعب حمله، ويتحول التعامل معه مربكاً. ونتيجة ذلك، لا يكون "خير جليس" ولا "أنيساً" على قول دعايته القديمة. وهذا، في الحقيقة، ما يناقض جو الكتاب، الذي بدا أن مؤلفته تقربه من كونه رسالة مسهبة، تروي فيها حكاية بثلاثة أطراف: الأول عامل، والثاني هي، والثالث علاقتهما، التي لم تستوِ يوماً سوى على هوى عابر لبلدان ومدن مختلفة قبل أن يتعرض للقتل في شارع الجزائر البيروتي.

في هذا السياق، لا بد من دعوة ذوي مهدي عامل، وفي مقدمتهم الكاتبة نفسها، إلى طباعة نصها مرة أخرى، بالتوازي مع تجنب طرزه الحالي، واعتماد الطرز الملائم له، أي الذي يفيه منزلته، ومنزلة موضوعه أيضاً. وربما هذا ما قد تأخذه على عاتقها دار نشره، أي "دار الفارابي"، بحيث تعاود تنضيده من جديد، وتنشره مثلاً ككتابين، واحد بالفرنسية، وثان بتعريبه، أو توفر حق نشره بالفرنسية لدار غيرها، وتلتزم نشره معرّباً فقط، أو حتى تتنازل عن نشره بالعربية أيضاً. أما ترك نص إيفيلن حمدان على شكله الآن، فهذا ما سيجعل التعرف على مهدي عامل بعيد المنال، ولا يترك في المتحمس له سوى الضجر، ومعه الشعور القاسي ذاته حيال ما تبقى من إرث اليَسار: الخيبة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها