الإثنين 2018/08/13

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

عطلة الثقافة

الإثنين 2018/08/13
عطلة الثقافة
الثقافة التي تحرض على السياحة.. لا أكثر ولا أقل
increase حجم الخط decrease
عدا بعض المهرجانات، وبعض المعارض التي افتتحت قبل شهر آب، يكاد يخلو لبنان، متمركزاً في بيروت، من أي من النشاطات الثقافية المعتادة، وذلك بفعل العطلات التي يمضيها المواطنون خارج العاصمة أو البلاد. فتلك النشاطات لا تتوجه سوى إليهم، هؤلاء الذين يقدرون على التعطيل، وبالتالي، حين يغيبون، تغيب معهم، لا سيما أنهم يشتملون على أغلب القيمين عليها. هكذا، يتوجب على المتابع أن ينتظر شهراً بأكمله، وأحياناً أكثر، لكي تعود الحياة الثقافية من إجازتها. وفي أثناء انتظاره، في وسعه أن يتفرج على أفلام أجّل مشاهدتها، أو أن يقرأ كتباً أجّل قراءتها، وبين فيلم وكتاب، يحاول كتابة هذا المقال مثلاً!


لكن الثقافة، وعندما تعطل، لا تترك فراغاً في العيش. فغير أن متابعها، ولداعٍ مهني تحديداً، قد يشعر بغيابها، لا يمكن القول أن غيابها هذا يضع المواطنين في حيرة من أمرهم، بحيث يتساءلون عما سيفعلون على إثره. ربما قلة هي التي تنتبه إلى غياب الثقافة، إلا أنها لا تستفهم عنها، بل تستفهم منها عن كيفية قضاء العطلة على شاكلتها. وبالفعل، الثقافة هذه، وفي لحظة معينة، أي في لحظة غيابها، تنقلب إلى دليل سياحي، بحيث تعلم عن سبل تمضية العطلات. هذا ما تشير إليه مجلة "الأجندة الثقافية"، التي واظبت هذا العام على نشر "دليل الصيف-وقت العطل"، وهو دليل تجمع فيه بين "الطرق الثقافية عبر البلاد" و"أفكار متعددة للراحة والتجوال".

لإنقلاب الثقافة في نتيجة غيابها إلى دليل سياحي، مَرَدّ ثان، لا يتعلق باستفهام الذين يلاحظون غيابها، بل بكونها مسكونة بنزوع إلى فعل الخير، وطبعاً، يغدو، وعلى نمط مزاولتها له، فعلاً ساذجاً. فحين تأخذ على عاتقها الدعوة إلى التعطيل، مبشرةً بأهمية الإسترخاء، لا تدرك أنها، بهذا، لا تتحدث مع أحد. فالذين يعطلون، لا يصغون إليها لأنهم يعرفون كيف يمارسون ذلك. أما الذين لا يعطلون بسبب ظروفهم التي تبعد عنهم "ثقافة العطلة"، فصوت تبشيرها لا يصلهم. ومع مواصلتها فعل الخير اتجاههم، تبدو أنها لا تفرق بينهما وبينهم، تبدو ملتحمة معهم. وذلك بعد أن تعتقد بأنهم مثلها، لا يحتاجون سوى إلى التعطيل. فعل الخير، في هذا السياق، ليس سوى إشهار للحيازة على مسمعهم، والتشديد على كونها تنقصهم من أجل إثارة مبالاتهم بها، وهي مبالاة لا تحققها، بل تحبطهم. باختصار، لا يؤدي فعل الخير الذي تجريه الثقافة حيالهم سوى إلى تعذيبهم، وقد يكون هذا ما تريده أساساً.

لا تنقلب الثقافة إلى دليل سياحي في وقت عطلتها، سوى لأنها عاجزة عن التحول إلى أمر آخر في وقت تصييفها. فغالباً، ما تكون العطلة بمثابة انخراط في الفراغ من كل ما سبقها، ليكون رجاء للنظر في المقبل، وللإقتراب من الرغبة فيه أيضاً. إلا أنها، وفي حالة الثقافة، هي الغاء لذلك الفراغ، واستعاضة عنه بجلبة السياحة، التي لا تنفصل عما سبق العطلة، بل ترتبط به، لا سيما أن النشاطات الثقافية في البلاد تكاد تكون مجرد تزيين سياحي.

كما لو أن الثقافة، وفي وقت العطلة، تتكشف عما تسعى إليه قبلها. أي أن تكون مجرد دليل للسياحة، عبر تغير وجود نشاطاتها في أي مكان إلى علامات على أنه مكان معد لاستقبال السياح، أكانوا بلديين أم لا، بحيث يقدم لهم كل سبل الاسترخاء في شكل ثقافي، من مسرحية إلى عرض موسيقي، ولا يطلب منهم سوى التنعم برفاهه. في الواقع، الثقافة، وعندما تصيّف، لا تترك فراغاً في العيش، لأنه لا فراغ فيها، إذ إنها مملوءة للغاية، وليس كثرة انتاجها طوال السنة هو الإشارة إلى ذلك فقط، بل كونها، وحين تعطل، لا تجد مناصاً من استكمال عملها، وهذه المرة، بطريقة صريحة أيضاً: أن تحرض على السياحة لا أكثر ولا أقل!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها