فيميز بلحاج قاسم بين نموذجين تاريخيين. الأول هو النموذج اليوناني، وتجسد الألعاب الأولمبية حدثه الذي يقترب من كونه عملاً من أعمال الفنون الجميلة، "ففي هذه الحقبة الوثنية، وبحسب هيغل، كانت هذه الألعاب تحتل مرتبة أعلى من الشعر والتراجيديا والموسيقى". والثاني هو النموذج الروماني، وتجسد ألعاب السيرك والمصارعة حدثه الذي لا يهتم المنخرطون فيه بإتقان أدائهم بل بعرض الموت والقسوة. في هذا السياق، ولما يسأل الفيلسوف عن المعادل الحاضر للنموذج الروماني، لا يجده في الفوتبول، بل في مجال آخر، أي الفن المعاصر، لا سيما بميله المستمر إلى إبانة الجسد في مشرحته العضوية والحركية. بالتالي، الفوتبول هو سليل النموذج اليوناني، وليس الروماني، لكن هذا لا يلغي أنه عمل فني كامل أيضاً، "مثلما كانت الأوبرا خلال القرن التاسع عشر".
يرد بلحاج قاسم على الربط الذي يشيعه مثقفو اليسار بين الفوتبول والرأسمالية، قائلاً أن هؤلاء يخافون من كل شيء متعلق بالمال، كما أنهم لا يقدرون على الفصل بين الطرفين. "فالنظام الرأسمالي وكرة القدم ليسا بالضرورة على ارتباط. من الممكن تخيل أن الرأسمالية تتبدل أو تختفي، لكن الفوتبول يبقى. الرياضة بقيت على قيد الحياة في كل الأنظمة وأشكال التنظيم الإقتصادي. لدى الإنسان، وبكل بساطة، مواظبة دائمة على اللعب. ربط عيوب الرأسمالية بالفوتبول، هو إعراض عن الهدف". وفي السياق عينه، يدعو إلى إعادة قراءة الفيلسوف والسوسيولوج الماركسي جورج سيرويل، الذي وجد في الرياضة لقاحاً ضد غرغرينا الكحول والبغاء التي تنتشر بين صفوف البروليتاريين في بداية القرن العشرين.
يتمسك بلحاج قاسم بالفوتبول لأنها، وعلى عكس الرائج في الزمن الراهن، ما زالت تسمح بتعيين الحد بين خشبة عرضها، وجمهورها، بين مؤديها والمتفرج عليها، بين مكانها المقدس، أي الملعب، ومكانها المدنس، أي المدرجات، بين الفوق والتحت. وهذا، في حسبانه، ما يجعلها ساحرة، وما يجعلها رجاء لخلق التنوع الأسلوبي: الإيطاليون تراجيديون، الفرنسيون مفرطو الديموقراطية، الألمان يمارسون كرة القدم بانضباط بروتستانتي، ووحدهم البريطانيون يتعاملون مع الفوتبول كلعبة فقط.
فعلياً، وعند الإطلاع على نظرة بلحاج قاسم إلى كل هذه المنتخبات، وعطفها على نتائج المونديال الحالي، يغدو من المؤكد أن كرة القدم تتغير، وتفقد سحر أساليبها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها