الإثنين 2018/07/23

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

"شهيد" مازن خالد: الفيلم الذي احتضر مع بطله

الإثنين 2018/07/23
increase حجم الخط decrease
لا يمكن مشاهدة فيلم مازن خالد "شهيد"(*) سوى بمعزل عما قد ينطوي عليه من وعظ "وطني"، أكان يظهر في عرضه عبر تحول العلم الأصفر إلى العلم الأزرق مثلاً، أو يرافق ترويجه الذي يتضمن كلاماً فولكلورياً يخفض من قيمته السينمائية. لا يمكن مشاهدة الفيلم سوى كقصة تدور، ليس بين شخصياتها، بل بين أجسادها، التي تتصل مع بعضها البعض من ناحية بروزها كمَنفَذ، ومن ناحية ذهابها صوب الوجهة نفسها، أي البحر، بعد أن يتقلص مكانها السحيق، وبعد انعدام أي متسع لها فيه. بين هذه الأجساد، جسد واحد يلخصها، صاحبه يدعى حسان (حمزة المقداد)، وقد أيقظه في حين تأنيب والديه له بسبب بطالته (ربيع الزهر وكارول عبود)، حممه، ونزل به إلى الشارع، وهو رجاء من أرجائه المنصرمة، حيث جمعه مع رفيقه، حاملاً إياه إلى المدى الأزرق.

تنجح الكاميرا في سرد قصة هذا الجسد، مبينة صلة حسان به، إذ إنه يتعامل معه كمركبته، كما تبين صلته مع أغياره، الذين يجاورونه ويلاصقونه. نجاح الكاميرا يعني أنها لا تبالغ في إبانة هذا الجسد، لكنها في الوقت نفسه، لا تتركه بلا تركيز على شأن عريه، وشأن حركته. في الشأن الأول، لا تقع في المبالغة بقدر ما تقع في تكرار اللقطة التلصصية ذاتها، من دون أن تخلع الجسد أو تمجده مباشرةً، بل تفضي إلى تقديمه كمأوى لا يتوقف عن تأرجحه بين عناء ساكنه وصلابته. وفي الشأن الثاني، استطاعت الكاميرا ملاحقة الجسد في تنقله، لا سيما بين الكورنيش والشاطئ الصخري وقعر المياه. لكنها، وفي لحظة خسارته تحديداً، تكشف أن هذه الملاحقة ضرب من ضروب حمايته، بحيث تسرع إليه علّها تنقذه، كما أنها، وبالفعل نفسه، تكونه. عندما يقفز حسان، ويغرق، تتلقى الكاميرا واقعته كأنها لم تفقد موضوعها بل رفيقها، ولذلك، لم تكن باردة أمام موته في سبيل البحر، على العكس، حرّها هموده.

من المتاح، أو ربما من الجيد، تقسيم قصة الجسد إلى فصلين، تبترهما واقعة حسان. قبلها، هناك سرد غير مبعثر أو مفرق، يشدد على كون بطله المضاعف، أي الجسد و"حسانه"، هو مناص من الضيق، ومن أجل جعله حياً أكثر، لا بد من فضاء له، لهمّته ولمرئيته أيضاً. بعد الواقعة، ينقلب السرد ضعيفاً، فيهتز، ولا يعود ممسكاً بوجهته البتة لدرجة استمراره كأنه معلوم الحدث والوضع والخلاصة مسبقاً. واقعة حسان، قفزه من مأواه الجسدي إلى بيته البحري بكل اندفاع فوري، كسر السرد الذي لم يستطع عندها تحمل الواقعة تلك، فحاول الإلتئام من جديد بالإتكاء على ما يخيب جوّه. وهذا الجوّ شغلته جملة تصويرية لافتة، وتركيب بصري وثيق، وأداء تمثيلي عام كاد أن يكون وطيداً للغاية، لا سيما في ما يتعلق بأدوار الأصدقاء الأربعة، لولا تهشيمه بالحوار في عدد من المرات، وتصميم صوتي وموسيقي ملائم.


وما خيّب الجو هذا، هو الركون إلى التأشير غير اللماح إلى المعتقد المجتمعو-سياسي حول الاستشهاد، بحيث لم يتطور إلى تناول وافٍ، بل بقي منزوع الأثر. ومن جهة أخرى، الركون إلى التفجع، بلا أن يحقق شدة طقسه، وبلا أن تكون تأديته الأمومية الجلية، والأبوية المكتومة، صالحة. وفي الجهة عينها، السعي إلى مدّها بالصلاحية، بالركون إلى تخييل أو التشبيح الكوريغرافي السطحي، الذي ينسخ ولا يستحدث، يستسهل ولا يحوي، وفي نتيجته استقر مد التأدية على الإخلال بها أكثر فأكثر.

يسجَّل للفيلم أنه أصيب بأعطابه عندما غرق حسان، وليس قبل ذلك. كأن الفيلم لازَم الجسد، وحين مات، أوشك على الموت معه. لكنه، في الوقت نفسه، لا يسجل له ذلك، لأنه لم يستكمل سرده متحملاً واقعة الموت بالقبول بها فينتهي، أو بدمجها فيه فيتغير. بل إنه توجه إلى هذا الإحتضار، الذي، ولولا تطابق استحمام الجسد مع غسل جثمانه، ولولا تطابق الغسل هذا مع لفظ مياه البحر، ولولا الصمت الذي اعترى اجتماع الأصدقاء حول الجسد الساكن، لكان أنسى الجمهور أن الفيلم أمامهم كان قبل أقل من ساعة حياً يرزق.  


(*) تمثيل: مصطفى فحص، رشاد نصرالدين، هادي عياش، فادي نصرالدين، محمد عقيل، يارا بو حيدر، وإنتاج: ديالا قشمر. يجري عرضه الآن في "متروبوليس أمبير صوفيل" و"سينما سيتي" و"فوكس".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها