تعكس صور المشاركين دور الجغرافيا في تكريس هوية اجتماعية وسياسية مضطربة. فرغم أن البلدة صحراوية وذات مناخ جاف، إلا أن المشاركين يظهرون الهرمل من خلال الأمكنة التي صوروها وتعليقاتهم المرافقة لها، كمنطقة خضراء، مركزين على المساحات الشجرية ومصادر المياه حصراً، من دون العناصر الأخرى الموجودة في البلدة، ورغم أنه خيار فني مفهوم، يرى في المناظر الطبيعية جمالية لا تنطبق على جميع أمكنة البلدة، إلا أنه يخبر أشياء أخرى عن التوتر بين طبيعة البلدة وأهواء ساكنيها.
في أحد المشاهد تقول فتاة إن الهرمل منطقة خضراء في غاية الجمال، بعكس ما تظهر في صورة تحملها بيدها، تبدو فيها تجمعاً باطونياً باهت اللون. وقد أصر عدد من المشاركين بالطريقة نفسها على تكذيب صورهم، مدعين أن الجمال لا يمكن رؤيته أو ترجمته عبر الفوتوغرافيا، ما تؤكده إحدى الفتيات من خلال قولها إن البلدة ليست صحراوية كما تبدو، بل واقعة فوق بحيرة ضخمة من المياه، التي لا يخرج منها سوى جزء صغير في العاصي، ولا يمكننا رؤيتها بالعين المجردة.
ضمت الهرمل للكيانات المتشكلة في جبل لبنان منذ عهد المتصرفية التي وضعتها في قضاء واحد مع بلدة البترون الساحلية (فاصلة إياها عن محيطها البقاعي) مع أن الأخيرة واقعة في الناحية الأخرى من سلسلة الجبال الغربية، وتنفصل عنها خلال الشتاء بسبب الثلوج. تتمتع سفوح هذه السلسلة المطلة على البحر، بنسبة هطول أمطار مرتفعة، حولتها إلى مناطق خضراء وغابات، بعكس سفوح الهرمل التي تظهر أشجارها متفرقة ومتباعدة عن بعضها، متحولةً إلى مناطق شبه صحراوية جافة.
وقد ساهمت هذه العوامل بتكريس شعور بالنقص والغبن عند أبناء البلدة (كما مناطق البقاع الشمالي الأخرى) المتصلين سياسياً ونفسياً بالسفوح الغربية المزدهرة بسبب انتمائها لاقتصاد الجبل وتحولها التدريجي إلى حاضرة شبه مدينية، بعكس حواضر البقاع الشمالي الفقيرة والمنكوبة. وقد اختلط هذا الشعور بالغبن بالعوامل الجغرافية والمناخية، ففي حال نظرنا الى جبل لبنان من الجو، يظهر السفح الغربي أخضر ومليئاً بالأشجار، بعكس السفح الشمالي الشرقي الجاف والأجرد.
تبدو الحياة بالنسبة لسكان الهرمل كأنها تجري من دونهم في الجهة الأخرى من الجبل الذي يكرس عزلهم وتهميشهم، ما خلق هوية تعتمد على المقارنة، يعتبر التهميش والشعور بالظلم نواتها، وقد وثقت هذا الشعور اللافتة ألتي رفعها أحدهم في حراك 2015، التي تطالب بنقل البحر إلى بعلبك.
يظهر الشعور بالغبن في فيلم اسطفان احتجاجاً على عجز الفوتوغرافيا عن التقاط جماليات البلدة، كما ظهر بشكل فاقع عندما شهد عرض الفيلم في الهرمل في العام 2007 مشاكل غير متوقعة للمخرجة، وصلت إلى حد تهديدها واتهامها بالتآمر على البلدة لتشويه صورتها وعدم إظهار أجمل ما لديها! وذلك بحضور أعضاء من البلدية وأساتذة يشكلون نخبة ثقافية في المنطقة، ما ترده المخرجة لسوء الفهم الذي حصل بينها وبينهم، حيث توقعوا فيلماً دعائياً يروج صورة غير حقيقية للبلدة، بينما الحقيقة كانت توثيقاً لقصص أفراد شخصية، لا يبدو أنهم راغبون كثيراً برؤيتها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها