الأحد 2018/07/22

آخر تحديث: 08:49 (بيروت)

عندما تُطالب الفوتوغرافيا بما هو فوق طاقتها

الأحد 2018/07/22
increase حجم الخط decrease
بعد انهائها ورشة عمل في التصوير الفوتوغرافي، نتج عنها 10 صور لكل مشارك/ة،  تتحدث المجموعة المكونة من ست فتيات وشاب في فيلم رانيا اسطفان "دخان على الماء: "الهرمل×7" (صُور الفيلم عام 2007 وبقي مهمشاً) عن سبب اختيارهم لأمكنة معينة، لتكون موضوعاً للصور التعريفية عنهم وعن المكان الذي يعيشون فيه.


تتدرج الصور من العام إلى الخاص، فيبدأ معظمها من مواقع البلدة السياحية، كنبع العاصي، شلالات الدردارة، وقموع الهرمل، مع إعطاء مساحة للأمكنة التي يجتمع فيها السكان للرقص والدبكة في مقاهي النهر، ويمكن إيجاد صور شبيهة لهذه في الإعلانات الدعائية الموجودة على فايسبوك والمواقع السياحية.

ثم تنتقل الصور إلى المساحات العامة داخل البلدة، وهي أمكنة معروفة حصراً للسكان المحليين، كحديقة الوقف التي تعتبر الحديقة الوحيدة في البلدة، وأحد المقاهي الموجودة في الوسط، إلى أن ننتهي أخيراً بمساحات خاصة كمنازل المشاركين في الورشة والأمكنة المرتبطة عندهم برمزية معينة، كمداخل بيوتهم، وتلك الصورة التي أخذتها إحدى المشاركات لقبور أهلها.

تظهر الهرمل في عدد من الصور من مواضع مختلفة، حيث تبدو واحة باهتة اللون وسط محيط صحراوي. يمكن رؤية سلسلة الجبال الغربية المحاذية في خلفية بعض الصور ويظهر العاصي في صور أخرى، خطاً أخضر يمر بقربها. في الواقع البلدة تتوسط المساحة الفاصلة بين الجبل والنهر اللذين يعتبران أساس وجودها، بما أن السكان منقسمون بين عائلات قديمة مرتبطة بالنهر عضوياً، وعشائر سكنت الجبال المحاذية طويلاً، قبل نزوحها التدريجي إلى أحياء البلدة الطرفية خلال القرن الماضي.

تعكس صور المشاركين دور الجغرافيا في تكريس هوية اجتماعية وسياسية مضطربة. فرغم أن البلدة صحراوية وذات مناخ جاف، إلا أن المشاركين يظهرون الهرمل من خلال الأمكنة التي صوروها وتعليقاتهم المرافقة لها، كمنطقة خضراء، مركزين على المساحات الشجرية ومصادر المياه حصراً، من دون العناصر الأخرى الموجودة في البلدة، ورغم أنه خيار فني مفهوم، يرى في المناظر الطبيعية جمالية لا تنطبق على جميع أمكنة البلدة، إلا أنه يخبر أشياء أخرى عن التوتر بين طبيعة البلدة وأهواء ساكنيها.


في أحد المشاهد تقول فتاة إن الهرمل منطقة خضراء في غاية الجمال، بعكس ما تظهر في صورة تحملها بيدها، تبدو فيها تجمعاً باطونياً باهت اللون. وقد أصر عدد من المشاركين بالطريقة نفسها على تكذيب صورهم، مدعين أن الجمال لا يمكن رؤيته أو ترجمته عبر الفوتوغرافيا، ما تؤكده إحدى الفتيات من خلال قولها إن البلدة ليست صحراوية كما تبدو، بل واقعة فوق بحيرة ضخمة من المياه، التي لا يخرج منها سوى جزء صغير في العاصي، ولا يمكننا رؤيتها بالعين المجردة.

ضمت الهرمل للكيانات المتشكلة في جبل لبنان منذ عهد المتصرفية التي وضعتها في قضاء واحد مع بلدة البترون الساحلية (فاصلة إياها عن محيطها البقاعي) مع أن الأخيرة واقعة في الناحية الأخرى من سلسلة الجبال الغربية، وتنفصل عنها خلال الشتاء بسبب الثلوج. تتمتع سفوح هذه السلسلة المطلة على البحر، بنسبة هطول أمطار مرتفعة، حولتها إلى مناطق خضراء وغابات، بعكس سفوح الهرمل التي تظهر أشجارها متفرقة ومتباعدة عن بعضها، متحولةً إلى مناطق شبه صحراوية جافة.


وقد ساهمت هذه العوامل بتكريس شعور بالنقص والغبن عند أبناء البلدة (كما مناطق البقاع الشمالي الأخرى) المتصلين سياسياً ونفسياً بالسفوح الغربية المزدهرة بسبب انتمائها لاقتصاد الجبل وتحولها التدريجي إلى حاضرة شبه مدينية، بعكس حواضر البقاع الشمالي الفقيرة والمنكوبة. وقد اختلط هذا الشعور بالغبن بالعوامل الجغرافية والمناخية، ففي حال نظرنا الى جبل لبنان من الجو، يظهر السفح الغربي أخضر ومليئاً بالأشجار، بعكس السفح الشمالي الشرقي الجاف والأجرد.



تبدو الحياة بالنسبة لسكان الهرمل كأنها تجري من دونهم في الجهة الأخرى من الجبل الذي يكرس عزلهم وتهميشهم، ما خلق هوية تعتمد على المقارنة، يعتبر التهميش والشعور بالظلم نواتها، وقد وثقت هذا الشعور اللافتة ألتي رفعها أحدهم في حراك 2015، التي تطالب بنقل البحر إلى بعلبك.


يظهر الشعور بالغبن في فيلم اسطفان احتجاجاً على عجز الفوتوغرافيا عن التقاط جماليات البلدة، كما ظهر بشكل فاقع عندما شهد عرض الفيلم في الهرمل في العام 2007  مشاكل غير متوقعة للمخرجة، وصلت إلى حد تهديدها واتهامها بالتآمر على البلدة لتشويه صورتها وعدم إظهار أجمل ما لديها! وذلك بحضور أعضاء من البلدية وأساتذة يشكلون نخبة ثقافية في المنطقة، ما ترده المخرجة لسوء الفهم الذي حصل بينها وبينهم، حيث توقعوا فيلماً دعائياً يروج صورة غير حقيقية للبلدة، بينما الحقيقة كانت توثيقاً لقصص أفراد شخصية، لا يبدو أنهم راغبون كثيراً برؤيتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها