السبت 2018/07/21

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

نيراز سعيد.. فضيحة الممانعين الفلسطينيين

السبت 2018/07/21
نيراز سعيد.. فضيحة الممانعين الفلسطينيين
مصادفة ذات معنى في تزامن إعلان استشهاد نيراز، وزيارة وفد فلسطيني رسمي لدمشق لإعلان التضامن مع نظام الأسد.
increase حجم الخط decrease
لم يبدُ في حديث الشاب نيراز سعيد، كما ظهر في الفيلم الوثائقي "رسائل من اليرموك" (من إخراج رشيد مشهراوي)، أي ملمح للتطرف، فقد بدا رقيق الطباع، هادئاً، بعيداً من أحاديث السياسة وتعقيداتها، مؤمناً بفكرة واحدة راح يدور كل عمله كمصوّر حولها: "المخيم ناس"، وهو لذلك راح يصوّر أثر الحصار في الباقين هناك. خصوصاً ما فعله بهم التجويع.


صوّرَ نيراز، والذي أُعلن أخيراً شهيداً تحت التعذيب في سجون النظام السوري، أولئك الذين يبحثون في حاويات الزبالة عن كسرة خبز، وصوّر أطفالاً في الطريق يسألون المساعدة لإطعام إخوتهم. صوّر أهل المخيم في ساحة الريجي، وهم يتلقّفون مساعدات هيئات الإغاثة، ثم سجّل هروبهم لحظة سقوط قذيفة بينهم أثناء ذلك. وصوّرهم وهم يكنسون شوارع المخيم التي كانت تغصّ قبل قليل بالمحاربين. صوّر أولئك الأطفال الثلاثة النازحين من مخيم سبينة المجاور، وقد باتوا من دون أب، تلك الصورة التي حازت جائزة الأونروا وقد أسماها "الملوك الثلاثة".



صوّر الشاب، الذي، وحين تصوير الفيلم (حوالى العام 2014) لم يكن قد أكمل 23 عاماً، جمال الإنسان حتى في قلب مَشاهد الجوع. لا يُنسى مشهد طفل يحمل رغيف خبز، يتقاسمه مع امرأتين مسنّتين تجلسان على مصطبة أمام بيت، تعرضان بدورهما قسمة منه على المصوِّر. كما صوّر نيراز، عازف البيانو أيهم أحمد، ووالده عازف الكمان، وقابَل الأطفال الذين غنّوا معه هنا وهناك في ساحات المخيم، في ظاهرة من أجمل ما ميّز المخيم المنكوب.

سنجد نيراز، حتى بُعيد خبر مقتل أخيه على يد قناص أثناء عودته من عمله خارج المخيم، هادئاً أيضاً، لا أثر لغضب متطرف، ولا لرغبة في الانتقام، بل هو أقرب إلى التسليم، في مدينة لا يحتاج المرء فيها إلى البحث عن أسباب القتل، على ما قال.

نيراز في الفيلم مصوِّر، سينمائي واعد، له طباع شاعر، يعتبر سطح المخيم مكانه الأثير، فـ"الأسطوح صار أكثر من سهرة وكشّة حمام. هو مساحتك التي تتحرك فيها. أنت أقرب إلى السماء، بعيد من الحصار، بتشوف الناس البعيدة، أهلك، الناس البعاد عنك خمسمية متر وما قادر تشوفهم، قاسيون..".

منذ ثلاث سنوات غادر نيراز المخيم، مع وعد، على ما يبدو من روايات المقربين، بتسوية وضعه، أو عدم اعتقاله، وقد جرى تداول مستند مروّس باسم "دولة فلسطين" و"منظمة التحرير الفلسطينية"، وموقع من قبل السفير الفلسطيني في دمشق يقضي بالسماح لنيراز سعيد وآخرين بالخروج من المخيم. لكن الشاب سيعتقل إثر خروجه بأيام، وستمر السنوات من دون أن نشهد أي حملة تذكر للمطالبة به، وقد تذرع البعض بأنهم لم يريدوا إيذاءه عبر المطالبة به في حملات واسعة، ولا ندري إن كان هنالك أذى أكثر من أن يكون المرء في فم المجرم.


لا تخلو من معنى، مصادفة إعلان استشهاد نيراز سعيد (يتحدر من قرية عولم، قضاء طبريا) مع وجود وفد فلسطيني رسمي يمثل السلطة الفلسطينية في دمشق، برئاسة عزام الأحمد، وقد تحدث الأخير عن تضامن غير محدود مع نظام بشار الأسد. لا ندري لأي سبب يكون التضامن مع نظام شرّد مئات آلاف الفلسطينيين ودمّر مخيماتهم واعتقل وقتل الآلاف منهم. وما نيراز سوى واحد من مئات آلاف الفلسطينيين والسوريين من ضحايا النظام السوري.

قصة قتل نيراز في سجون النظام لم تستفز أحداً من الفلسطينيين الممانعين أو المتضامنين مع النظام، للاستنكار (ولا حتى الترحّم!)، أو مجرد المطالبة بتوضيحات، أو حتى أولئك المعارضين السوريين الذين يتشدّقون بالفصل بين نظامٍ ودولةِ مؤسسات في سوريا، ألم يقتل نيراز وسواه الآلاف في سجون تلك "الدولة"؟

حول العالم، يُستفَز الناس والمنظمات الحقوقية، ويثورون لمجرد حكم إعدام بحق مجرم جنائي ارتكب أفظع الجرائم، فكيف يصمت هؤلاء على مقتل شاب تحت التعذيب، حتى من دون محاكمة شكلية!

لقد بدأ الربيع العربي من صفعة شرطي لمواطن تونسي، كما اندلعت الثورة في مصر إثر مقتل الشاب خالد سعيد على يد الشرطة المصرية، فلماذا لا يهزّ مقتل هذا الشاب الفلسطيني، بعد اعتقال دام ثلاث سنوات، أحداً من الفلسطينيين، مؤسسات وشخصيات مكرسة وفصائل وأحزاباً؟

إنها أسئلة برسم الشق الفلسطيني الممانع، ذاك الذي روّج لمؤامرة كونية على النظام، وصوّر المخيم على أنه يعجّ بالأفغان والجهاديين من كل حدب. ألأن حكاية نيراز سعيد تدحض أكاذيبكم؟

ستقولون إنه رقم آخر يضاف إلى غيره من مئات الآلاف ممن قضوا! لا. إن مقتل شاب واحد تحت التعذيب رقم أكبر مما يحتمل. إن كان ذلك مسموحاً تحت أي ذريعة، فإنه يعني السماح مستقبلاً بمقتل آلاف "الواحدين" تحت التعذيب، وهو ما حدث دائماً خلال حكم النظام الرهيب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها