الأربعاء 2018/07/18

آخر تحديث: 13:00 (بيروت)

"الصورة الاجتماعية" إذ تهجر الصحافة إلى الغاليري والكتيّبات..

الأربعاء 2018/07/18
"الصورة الاجتماعية" إذ تهجر الصحافة إلى الغاليري والكتيّبات..
"ماذا نصور وكيف؟ أين ولمن؟" يتساءل المصورون وسط صعوبات النشر
increase حجم الخط decrease
يصورون يوميات الآتين عبر شواطئ أوروبا بحثاً عن مستقبل أفضل. يعانون للحصول على قوتهم اليومي، يدركون مدى سأم المشاهدين مما يلتقطون، رغم ذلك لا يفكرون بترك المهنة.

"لست ناشطاً إنسانياً ولا متطوعاً. إنني أكشف عن أوضاع غير مقبولة، لا تغتفر"، تقول ديان غريمونيه التي تصوّر، منذ أكثر من 20 عاماً، مواضيع عن الأقليات واللاجئين والمهاجرين. "أصوّر مجتمعاً أعيش أنا فيه أيضاً. تلك هي مهنتي. أتساءل باستمرار: لمن أعمل ولماذا؟ ماذا أفعل في هذه الأمكنة؟ الكل يسخر، لكننا نستمر". وتضيف غريمونيه: "أمضيت الصيف الفائت بأكمله أصوّر عائلات لجأت من السودان وأفغانستان، تقيم في مخيمات بائسة، أو تتسول في الضواحي".



تتجول غريمونيه في تلك الأمكنة لأنها لم تعتد مَشاهد مشابهة. أمام هذا الواقع، وبعد زيارات عديدة إلى مكاتب تحرير بعض الصحف، نجحت في بيع تحقيقين مصورين.

قلة في فرنسا توثق يوميات طالبي اللجوء، بسبب انعدام طلبات الصحافة لمواضيع مشابهة. إنهم يراكمون صور حركات هذه الهجرات التي تتحول إلى أزمات، تواجه أوروبا وتناقض قيمها ومبادئها التأسيسية. يروون أيضاً مصائر هؤلاء: "يعيشون بيننا، "أمكنتنا" تحولت إلى "أمكنتهم".

"نأمل تغيير العقليات وتحرك الدول. قضية اللاجئين هي اليوم سبب يدعو إلى الثورة"، يقول مايكل بونيل (34 عاماً) وهو مصور صحافي بدأ تحقيقاته المصورة منذ 2013 عند الحدود التركية-السورية، قبل إنتقاله إلى هنغاريا وصربيا، ثم إلى كاليه الفرنسية ومخيماتها. تقحمنا ألوان صوره في قلب المواقف التي تعيشها مجموعة من اللاجئين في مستودع وخيم في بلغراد، أو على متن سفينة وسط ضباب وهياج المانش. "عندما نعرض صورنا على الصحافة، يجيبوننا بأن القراء سئموا هذه المواضيع، غير أن واجبنا يدفعنا إلى الإستمرار في تصويرها، لأن الواقع هناك". بالمثابرة وبلقاء الأشخاص أنفسهم، يحاول هؤلاء المحترفون إظهار حدث يتطلب سرداً مرئياً عبر صور تصدم العين، ولو تجاهلت أحياناً الكرامة الإنسانية.

يقول أوليفييه جوبارد: "عندما بدأت في العام 2000، كنا نشعر بأننا نقدم فائدة إلى الإنسانية بكشفنا عن المآسي". من مواضيع جوبارد (48 عاماً) وأحد رواد المصورين الذين ثابروا على ملاحقة مواضيعه على مدى سنوات: "غربان"، اللاجئ الأفغاني ابن الـ12 عاماً، تابعه المصور منذ مجيئه إلى فرنسا حتى اليوم، بعدما نال شهادة البكالوريا والجنسية الفرنسية؛ وعائلة سورية التقاها في اليونان ورافقها حتى استقرارها في السويد.



اقتصرت بدايات مصوري اللجوء، الشباب، على الأرض الفرنسية لأسباب اقتصادية، حيث التقطوا صور مأساة قرعت أبوابهم فجأة. لكن جوبارد تميز بتغطية الحروب، أو أصل أزمات اللجوء. 

يقول لورانس جي، الثلاثيني الذي يوثّق منذ 3 سنوات إندماج عائلة سودانية في دولة أوروبية: "أريد أن أجعل هؤلاء أكثر قرباً منّا، نقارن أنفسنا بهم، لا أريد إظهارهم كأشخاص تعساء. بالنظر إليهم كضحايا، نجعل منهم أقل إستعداداً للإنخراط في مجتمعاتنا".

"إذاً ماذا نصور وكيف؟ أين ولمن؟" يتساءل المصورون وسط صعوبات النشر.

لا تجرؤ ديان غريمونيه على الإتصال بالصحافة "خوفاً من مضايقتهم. نخوض المعارك كي نحظى بفرصة لنشر مثل هذه المواضيع. لماذا؟ لأنهم يريدون اليوم صحافة نظيفة، مطهّرة، مع صور خيالية بعيدة من الواقع".

يقول مايكل بونيل أنه في أغلب الأحيان، تُطلب منهم صورة واحدة للنشر، بدلاً من تحقيقات كاملة: "الصحافة التي تنشر مثل هذه المواضيع هي حزبية أو دينية، إذ تعتبر أن لدى قرائها درجة من الوعي".

أما أوليفييه جوبارد، فهو يموّل عمله من المَعارض التي يقيمها "لأن الصحافة لم تعد وجهة للصورة الملتزمة".

نورمان كادوري، المهتم باللاجئين منذ سنوات لا ينشر في الصحافة، لا لأنه يرفض ذلك، بل لأنه لا علاقات له بهذه الأوساط. فقد جاء من العمل الحزبي، ليشكّل مجموعة من المصورين أسماها "عين"، تروج لصورها في أوساط المدارس والجامعات والسجون. "عندما تطبع الصور فإنها لا تمس سوى بعض القراء. أما عرضها أمام جمهور فيُحدث تأثيراً مختلفاً. لوسائل التواصل تأثير في تحريك المشاعر والتضامن"، يقول كادوري.
"إننا نعمل كالنمل" يقول مصور آخر.



يدرك ميشال كريستولوم، المهتم بالفوتوغرافيا الإجتماعية، قيود نشر المواضيع الملتزمة: "مَن يرغب في مشاهدة مهاجرين بؤساء أو مسنين في ملاجئ الرعاية؟ الفوتوغرافيا الإجتماعية وُجدت لكشف الوقائع التي لا يرغب أحد في مشاهدتها".

كريستولوم، الشريك في تأسيس جماعة "عين"، أبعَد صوره من الصحافة، إذ لا أهداف تجارية له، وفي رأيه: "عرفت الفوتوغرافيا الإجتماعية رواجاً وكان لها تأثيرها الشديد في السياسة". ويروي في كتابه "الفوتوغرافيا الإجتماعية"، قصة الأميركي جاكوب ريس، رائد الصورة الإجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر. فبعدما نشر كتابه عن بيوت الصفيح التي يسكنها المهاجرون إلى أميركا، زاره تيودور روزفلت، رئيس شرطة المدينة آنذاك، وقبل أن يصبح رئيساً، قائلاً له: "أطلعت على صورك وأتيت للإنقاذ".

اللحظة الأخرى التي شهدتها الصورة الإجتماعية، كانت في ثلاثينات القرن الماضي، عندما طلبت "إدارة أمن المزارع" الأميركية من أكثر من 20 مصوراً، تصوير ظروف عيش المزارعين في الأرياف الأميركية بعد الأزمة الإقتصادية الكبرى. كانت تلك توصية حكومية للبدء بالإصلاحات اللازمة.

"هل تموّل حكومة ماكرون تصوير ما يكشف عن مآسي اللاجئين؟"، يسأل المصورون.

من المدهش اليوم غياب صور اللاجئين عن الصحافة، بينما تحضر في صفحات الكتيبات لبعض المنظمات الإنسانية غير الحكومية، والتي تشكّل سوقاً بديلة للصورة الملتزمة. "إن صورة جيدة، هي أكثر إقناعاً من التقارير المكتوبة. توثّق الصورة وتؤسس لأرشيف هائل للمستقبل، كأنها تحذّر من كوارث أدهى"، بحسب مسؤولة في إحدى هذه المنظمات، توسّع تعاونها مع المصورين.

"لأي سبب نستمر، ونخاطر بحياتنا؟ لعملنا تداعيات نفسية علينا وعلى علاقاتنا الغرامية! عندما قضيت عطلتي على الشاطئ لم أستطع نسيان هؤلاء المهاجرين"، تقول ديان غريمونيه، التي تعيد اليوم طرح إشكالية إلتزام الصورة الصحافية بالمآسي الإنسانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها