الجمعة 2018/07/13

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

"ألف عمل وعمل".. الفن أواخر الليل

الجمعة 2018/07/13
"ألف عمل وعمل".. الفن أواخر الليل
increase حجم الخط decrease
دعت "غاليري أليس معبغب" إلى معرض "ألف ليلة وليلة، ألف عمل وعمل"، الذي يشارك فيه 14 فناناً. ويشتمل المعرض على رسوم، منحوتات، صور فوتوغرافية، أعمال مطبوعة على الخشب، أعمال خزفية معاصرة، إضافة الى عروض موسيقية وأفلام وثائقية عن الرسم والسينما والموسيقى والرقص والطرب الشرقي والأوبرا.

جاء في تعريف المعرض: الليل كان وما زال مصدرا رئيسا للإلهام عبر تاريخ الفنون. شرقا، ظهر الليل بقوة منذ القرن الثامن في "ألف ليلة وليلة". لكن الليل كمادة فنية تقدم الى الصدارة في الأوساط الغربية منذ ذلك الزمن؛ بداية في المنمنمات التي كانت تزين الكتب، كما كتاب "الساعات الفنية للدوق دوبيري" تأليف الأخوين ليمبورغ بين 1412-1416. ثم منذ القرن السادس عشر، سمح التطور التقني للفنانين، برسم الليل بالسهولة نفسها كما النهار. تدريجاً من قلب عتمة العصور الوسطية، ستبزغ على مر العصور، أعمال تمجد النور. إنطلاقاً من مرارات ومعاناة البشر، سيحاول الفنانون أن يمجدوا الألوان. الليل هو أيضا، الوحشة، السكينة، التمزق، الحلم، الإنبهار، السماوات المفروشة بالنجوم. إنه كون هائل يحاول هذا المعرض الصيفي، بكل تواضع أن يتطرق إليه.
 



وتقدم "غاليري أليس مغبغب" الفن عند أواخر الليل؛ أعمال لـ14 فناناً حديثاً، السبت في 21 تموز في أوتيل نادي فقرا؛ تحديدا في الديسكوتك المشهور، الذي شكل واحة لقاء لأبناء البلد من كل الإتجاهات، خلال سنوات الحرب الطويلة؛ كانوا يأتون إليه من كل المناطق، لينسوا في عتمته وعلى وقع موسيقاه عنف الحرب وعذاباتها، ويحتفلوا بالحياة. أقفل الديسكوتك أبوابه العام 1991؛ وها هو يعود اليوم، يفتح هذه الأبواب لاحتضان أعمال الخلق الفني والإبداع في مجال الفن الحديث.

ينطلق المعرض عند مدخل "الأوبرج" في فقرا مع عمل "الفجر" Aurora لهنيبعل سروجي؛ ثم ينتقل الى الطابق الأرضي عبر الصالونات، وصولاً الى "المرأة النائمة" Femme endormie لتاكايوشي ساكابيه عند مدخل الملهى الليلي؛ الدرج يأخذ المشاهد الى ردهة الإستقبال التي تحولت الى قبة فلك مزدانة بالنجوم. وما هي إلا خطوات قليلة، حتى تنفتح أبوب الملهى على عالم التذكارات البعيدة المنسية؛ جنون أجيال مضت وأحلامها المجنونة والمحمومة، تعود لتطلع من رحم الليل والسماء المعتمة المزدانة بالكواكب المضيئة.

هنيبعل سروجي، ولد العام 1957 في لبنان؛ يستخدم تقنية الإكريليك والنار؛ هذا العامل الأخير يوحي بدمار سنوات الحرب، التي أبعدته عن بلده؛ منذ عودته الى لبنان انصرف الى فنه حيث يعرض بانتظام في غاليري جانين ربيز؛ أيضا يمارس التعليم. يدين الفنان حالة النسيان الجماعي تجاه الحرب؛ وانمحاء المأساة والأهوال من الذاكرة العامة. وبقدر ما العنف ليس ظاهرا في الأعمال، فإن فنه يعكس بقوة الحريق الداخلي والوجع. "الفجر"، وهو عمل من 2002، يمثل مشهدا من الليل الذي ينجلي، وبه يفتتح معرض الفن في أواخر الليل.

 الفجر هو في قلب أعمال زينه الإدلبي، وهي ترسم الآن في بيروت. ولدت في سوريا العام 1960، وتأثرت منذ الطفولة بفن جدتها التي عاشت في اسطنبول، وبجدها المثقف الذي فتح إحساسها على جمال الأدب العربي. تدربت منذ نعومة أظافرها على تقنيات الخط العربي، وبخاصة على أسلوب "الخط الديواني"؛ ثم راحت تطبق معرفتها في مجال الرسم .عملها التشكيلي يشتمل على مؤلفات كبيرة، يتناوب فيها الخط والرسم، وتمتزج فيها الرموز المتماوجة والظلال المتكسرة، لتخلق فضاء من الشعر والأدب والألوان.

"ليحمل الليل أحلامك الى ما وراء الفجر" هو عنوان هذا العمل التشكيلي المعروض في مطالع المسار الى قلب الليل.

تاكايوشي ساكابيه، ولد في اليابان 1953؛ أنجز مجموعة من الأعمال لوجه امرأة نائمة؛ وضعية الجسم النسائي الممدد، كما العيون المغمضة، واليدين الممسكتين بطرف الغطاء، والرأس المائل على الوسادة للإيحاء بأن الشخص مستغرق في نوم عميق؛ كل ذلك يوحي بأنه مشهد نهاري؛ الخيالات البيضاء حول الرأس وانعكاس الضوء تقوي هذا الإنطباع.

تاكايوشي ساكابيه من أتباع مذهب "البوتو" الذي من أبرز طقوسه الرقص التقليدي. هذا ينعكس لديه في الحياة كما في الرسم؛ حيث أشخاصه هم دائما في حالة بينية؛ بين الحركة والجمود؛ بين الرقص والموت؛ بين الظهور والغياب؛ بين البداية الضائعة والنهاية المفقودة.

أعمال الخزف لجان جيريل – مواليد فرنسا 1947 – لا تنتمي الى زمننا ولا الى أي زمن آخر.

مولودة في التراب والنار، في الماء والهواء؛ هي ثمرة أربعين سنة مكرسة لدراسة الخزف الصيني لحقبة "سونغ" بين 950 و 1279. يحاول جان جيريل إعادة اكتشاف تقنية حرفيي "جيان" المفقودة؛ هم الذين أبدعوا أواني "يوهن – ثمنكو"، المتسخدمة لاحتساء الشاي؛ والتي تكتنز ظلالا مبهرة، مشعة، توحي بالضوء المنبعث من الكواكب عبر عتمة الليل. ثلاثة أعمال تمثل هذه المدرسة لا تزال محفوطة بعناية في اليابان؛ حيث تعتبر كنزا وطنيا. يواصل جان جيريل أبحاثه، ويعرض، من خلال كوب متواضع، إنجازاته الرائعة حول الليل والكواكب والأثير.

تعرض "غاليري جانين ربيز" الفنان المتعدد التقنيات فرنسوا سرغولوغو، المولود في لبنان سنة 1955. سيختار صوراً منتقاة من مجموعة "بيروت إمبراطورية"؛ حيث يصور عالماً قائماً بذاته، إنطلاقاً من صور محفوظة في ألبومات عائلية قديمة. تشارك هذه التذكارات المقدمة واحدة تلو الأخرى، في مشهد دائري بالأبيض والأسود؛ تشارك بمجموعة من القيم؛يظهر عالم أحلام، حيث يتداخل الواقع بالحلم، ثم يندمجا تحت قبة سماء مرصعة بالنجوم، أو في ضوء النهار.

نيقولا تورت، نحات ورسام ومصور فوتوغرافي وفيديو، مولود في فرنسا سنة 1977. يرسم صوراً تبدو للوهلة الأولى بسيطة؛ لكنه يحاول بواسطتها أن يتواصل مع مفاهيم الزمن والحركة؛ مع النظم والمرجعيات. يقدم فيديو في المعرض، محوره قمران يدوران؛ واحد في اتجاه عقارب الساعة والثاني في الإتجاه المعاكس؛ يدوران حول ذاتهما، بالوتيرة نفسها، كأنهما أداة موسيقية؛ حركة أخاذة؛ إيقاع دوران الأزمنة؛ حركة تفتح أفقاً على عالم آخر، عالم الفن.

الفنانة السورية، عزه أبو ربيع، مولودة في سوريا 1980، تقدم في "غاليري أليس مغبغب" عشرة رسوم مطبوعة على الخشب؛ جميعها منفذة في بيروت العام 2018، مباشرة بعد خروج الفنانة من سجون النظام. بالنسبة للفنانة الشابة التي قضت أربعة شهور في زنزانة، تلك الليالي الـ120 هي نسخة طبق الأصل، تعادل إنتظاراً طويلاً.

"خلال الليل، كنت أرسل أفكاري صوب الذين تربطني بهم معرفة، وهم يجهلون مكان وجودي؛ كل دقيقة كانت مثل الأبدية بالنسبة إلي؛ ثم يأتي النهار ويستولي علي الأمل بالإنعتاق". نظمت "غاليري 293 – الرميل" المعرض الأول للفنانة في آذار 2018.

أندره هوشر فتال، ولدت في لبنان 1942؛ تكون من التراب أجساد نساء جميلات، ناضجات، جذابات. تركز عملها على أجزاء مثيرة من أجسادهن؛ ثم تصهرها في البرونز وتعطيها ألوانا داكنة، ألوان الليل. هذه الأعمال الأنثوية تبدو كفاكهة محرمة، ناضجة، شهية، سخية ،أخاذة. عنوان المعرض "النعاس، حلم ليلة شرق".

بالنسبة الى سامويل كوانت، المولود في بلجيكا 1980، الليل هو "لحظة ومكان" بامتياز، حيث تتلاشى نقاط ارتكاز النهار أو تترك مكانها الى بعد آخر من أبعاد الفضاء، لحرية فهم آخر للأشياء؛ من نافذة مشغله في بروكسيل يستكشف الفنان السماوات ونجومها، المجرات، بريق الكواكب، والأعماق اللامحدودة للفضاء. هذا الفضاء الذي يسحره ويلهمه. تقول الناقدة أديل سانتوكونو "إن عالم الديسكو كناية عن منمنمات لماعة وهشة في آن معا؛ بعد نزع قسم من مراياها، تأخذ الطابة شكل قارات الأرض؛ وعندما تتم إضاءتها يتطاير العالم شظايا من الضوء؛ ثم يتحلل في سماء ملؤها النجوم، تعكسها ألواح العرض". هذه الرؤية الحساسة والمتفائلة للعالم تلاقي نظيرتها في مجموعة المجرات، حيث يمتزج العنف بالهشاشة. عبر "إصنع كونك الخاص"، يخلق سامويل كوانت فلذة من الكون بشظايا الزجاج؛ وبها يفتح نافذة على الليل.

جيلبير حاج ولد في لبنان 1966، ويواصل سنة بعد سنة تركيز نظره الثاقب على تطور المجتمع اللبناني. وهكذا مجموعة "سترينغز" تصور التحدي الإجتماعي الإضافي الذي تطلقه الشابات اللبنانيات بطريقة ارتداء هذا اللباس الداخلي الحميم وتعمد إظهار إجزاء منه في الأماكن العامة. أعمال جيلبير حاج معروضة في "غاليري تانيت".

شارل بيل، ولد في فرنسا 1956، ثم استحوذ عليه الرسم، وابتلعه الليل منذ الطفولة. "كل ثنايا الليل" هي استعادة تذكارات لقائه مع الإشجار خلال المشاوير الليلية. الليل هو أيضاً السكينة والصفاء؛ الليل هو وقت للتنفس، للإستماع، لتلمس الأشياء؛ هو وقت يصبح فيه كل شيء ممكنناً؛ حيث تتحرر أحاسيس الفنان لتلتحم أكثر بالجمال الغامض للطبيعة. منذ سنوات يحتفظ شارل بيل في مشغله بزوج من طيور الليل، يؤنسانه عندما يقف وجها لوجه مع اللوحة بعد هبوط الظلام.

الليل له حضور كبير في أعمال جيل ماريه، المولود في فرنسا 1963؛ في مشاهد الطبيعة كما في رسوم داخل البيوت. حضور الليل لا يقتصر على مصادر النور التي تضيء المشهد، كالثريات والمشاغل وعواميد الإضاءة؛ لكن أيضا وأساساً في حضور الألوان الليلية. الأزرق البحري الغامق يخف تدريجياً وصولاً الى الأبيض المبهر. "صوت الليل" هو عنوان مجموعة رسوم لشاطئ وحشي مهجور، حيث تتكسر الأمواج، وتنعكس عليها أضواء المدينة البعيدة.

أول رسوم مجموعة ملغورزاتا باشكو، المولودة في بولونيا 1956، عنوانها "قلب الليل" اكتمل العام 2010؛ بالتزامن مع مجموعة أخرى من المشهديات عنوانها "ضوء النهار"؛ جميعها عرضت في "غاليري أليس مغبغب" العام 2013. مشاهد الليل أظهرت شوارع وسيعة وجادات تغمرها العتمة؛ تذكارات مكتومة من أيام الشباب؛ طلعت هذه المشهديات فجأة من الأعماق، ثم تحولت نصاً تشكيلياً رئيسياً للرسامة. مشاهد مدينية لا تنتمي الى جغرافيا محددة، تضيئها النجوم ويغمرها الضوء بتموجاته وخلجاته الحميمة.

نانسي دبس حداد، المولودة في لبنان 1966، تلاحق بعدستها نظم ميكانيكية شديدة الدقة؛ تستكشف تفاصيلها المعقدة؛ تسائل خزائن الذاكرة؛ شواهد لزمن مضى، رغم كونه قريباً. ثم تظهر مشاهد ليلية، كمثل سماء منجمة، مجرات بعيدة، أو مدن خلابة تغمرها الأضواء.

العودة الى الكتب؛ إيتيل عدنان المولودة العام 1925 في لبنان، ترسم مشاهد غامضة وملونة؛ هي أيضا فيلسوفة وشاعرة؛ نشرت "الليل" في دار l’Attente العام 2017، حيث نقرأ: "ذكرياتي غابة، معالمها غير ثابتة.
لهذه الغابة مداخل في كاليفورنيا الشمالية، في لبنان، في بريطانيا، هي غابة أشجارها باسقة، وأرواحها فيها غرابة، الموتى لم يعودوا يثيروا فينا الهلع، وهذا مؤسف، لقد انعتقنا من سلطان الخوف.
الجداول تجري؛ نعم، من يدلني الى الطريق في المجال الذي أحكي عنه؛  والذي إذا لم أجده، فأي معنى يبقى لحياتي؟ العقل والذاكرة يتحركان معا؛ الليل والذاكرة يختبئان معا؛  نتسكع عبر كل ذلك على غير هدى؛ لأنها غالبا لا ترضى أن تطابق نظرتنا؛ بالبخل والمزاجية، هي تفرج عن الأشياء، رويدا رويدا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها