الثلاثاء 2018/07/10

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

بكاء الزعماء.. الإحساس أم السياسة؟

الثلاثاء 2018/07/10
increase حجم الخط decrease
غداة هزيمة منتخبي إيران وروسيا وخروجهما من مونديال 2018، أعاد نشطاء فايسبوك، نشر صورتين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمرشد الأعلى للثورة الايرانية علي خامنئي، وهما يذرفان الدموع في مناسبات مجهولة التاريخ. ويأتي النشر الفايسبوكي ذلك، من باب الزكزكة الرياضية وتسجيل الموقف السياسي الشامت، على خلفية مشاركة الدولتين في الحرب السورية، ومساندة نظام بشار الاسد ضد الثورة السورية. فالرئيس الروسي الذي سحق المدن السورية، وقبلها الشيشانية، بالقذائف والصواريخ، هُزم منتخبه في كرة القدم أمام منتخب كرواتيا (الدولة الصغيرة) التي كانت رئيستها تهلل للفوز بالتزامن مع جموح الجمهور الفايسبوكي في اعادة نشر صورها وهي بثياب البحر(البكيني)، وتمجيد تواضعها السياسي واثارتها الجسدية.

والشماتة بالزعيم الايراني لم تكن مختلفة عن قرينه الروسي، وأتت بالتزامن مع انتشار صور الفتيات الايرانيات، وهن يتمردن على ثقافة التشادور خلال تشجعيهن منتخب بلادهن بالقبلات والرقص والحركات التي تنتمي الى الثقافة الغربية.

ونَشرُ صور بوتين وخامنئي وهما يذرفان الدموع، يفتح الباب للحديث عن دموع السياسيين أمام وسائل الإعلام، وهي ليست غريبة للتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم تجاه بعض الأحداث، كما أن البكاء هو جزء من السياسة، هذا ما أكد عليه المؤرخ الفرنسي ايمانويل فوريكس. فالرئيس الروسي المعروف بشخصيته الصارمة والجامدة والمخابراتية، إثر احتفالات فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 ذرف الدموع وارتعش صوته، وهو يلقي خطاب النصر، أشار المتظاهرون المعارضون له حينها إلى أن دموعه تتعارض بصورة كبيرة مع غموضه المعتاد وحتى مع مظهره وسلوكه الحاد في المناسبات العامة الأخرى. فقد فشل بوتين في البكاء عندما قتل الأطفال في المذبحة التي تعرضت لها إحدى المدارس في مدينة بيسلان العام 2004، ولم يبكِ عندما غرقت الغواصة كورسك ومات كل من فيها من أفراد البحرية الروسية. لذلك لماذا ترك دموعه تسيل الآن؟ تقول إحدى النظريات إن دموعه سقطت لأنه لم يكسح كما كان يحلم! وبعد دقائق من خطبة بوتين، أشار الروس بسخرية إلى فيلم "موسكو لا تؤمن بالدموع " وهو فيلم شعبي من 1980، واستعملوا عنوانه في لافتاتهم. النظرية الثانية تقول إن بوتين رغم شهرته، كونه ضابط مخابرات صارم في السابق، يمكن أن يكون عاطفياً وحساساً على نحو ما كان لينين في زمانه.

وإذا كانت دموع بوتين "حدثاً" للتعليق على بوتين نفسه وتحميلة تأويلات من هنا وهناك، خصوصاً أنه يحب البكاء السياسي ويفشل في تنفيذه، فبكاء السيد خامنئي من الأمور الروتينية المألوفة في المناسبات الدينية والاجتماعية والكربلائية والشعرية (بكى عندما مدحه الجواهري بقصيدة)، وفي الوقت نفسه تشكل الدموع طريقة لضبط الايقاع الشارعي ولجمه، وللتأثير في الإيرانيين، خصوصاً الشباب، مثلما حدث في التسعينيات وتحديداً العام 1999 حيث أجهش بالبكاء فى نهاية كلمته وهو يحث الإيرانيين على وقف التظاهر عند اندلاع سلسلة من الاحتجاجات الطالبية، وبالفعل قام بتثبيتهم كما وصفته صحيفة "لوس أنجليس تايمز". وفي نهاية كل خطبة لخامنئي، تقريبا يبدأ في التباكي وحوله حشود من كبار الشخصيات ورجال ميليشيا الباسيج والحرس الثوري الايراني.

الدموع الرئاسية هي بروباغندا سياسية وشعبوية، سواء لدى أنظمة الملالي الدينية أو حتى لدى الانظمة العلمانية (النشامية). فذات مرة أمر الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بقتل مجموعة من رفاقه البعثيين في وليمة دموية وصار يبكي "حزناً"، ومن بعدها صار البكاء الصدامي جزءاً من العراضة البعثية، يسجلها انصاره باعتبارها حدثاً ينبغي التوقف عنده، فالضابط البعثي نزار الخزرجي قال إنه رأى دموع صدام في لحظات القوة والضعف مرتين:
في الأولى، كان يحاول عبثاً كبح دموعه وهو يبكي أثناء قسمه أمامنا بأنه سيمنح اوسمة رفيعة وكثيرة لمن يحرر الفاو المحتل من أيدي الإيرانيين! وفي المرة الثانية: رأيت صدام يبكي ويذرف دموعه عندما انسحب الجيش العراقي من الكويت!
وصارت دموع صدام سيرة مملة، سواء بكى أمام زوجته أو في السجن. الغرابة أن صدام كان أكثر جموداً و"اسمنتية" من بوتين، لكنه كان أقدر على البكاء "السياسي".

ومن بين الزعماء ذرف الرئيس الاميركي السابق، باراك أوباما، الدموع عندما طرح ذكرى ضحايا أحداث إطلاق النار في الولايات المتحدة، والتي أصبحت وباء صعباً. والذين يتابعون أوباما يحصون له عشرات المرات التي بكى فيها في مناسبات مختلفة، كأنه خريج استديوهات هوليوود في التمثيل وذرف الدموع. أوباما ليس الزعيم الأول في البكاء الأميركي، إذ ترصد الصحف العديد من الزعماء الذين وظفوا دموعهم، من بوش الأب الى بوش الابن. وفي عوالم الشرق لا يختلف الأمر، فـ"السلطان" أردوغان أنفجر بالبكاء أمام الكاميرات، عندما استمع إلى قصيدة كتبها مسؤول الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي، بعد وفاة ابنته خلال المواجهات في القاهرة.

وفي العالم العربي، فإن "الباكي" الأشهر، هو الرئيس فؤاد السنيورة، والذي انفجرت دموعه في تصريح علني جاء بعد اندلاع حرب تموز 2006. لم تُنسَ دموع السنيورة منذ ذلك الحدث، واختناقه عندما قال: "إن عروبتنا غير مشروطة وهي ليست بالإرغام"، وسرعان ما قال له أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، "إن الدموع لا تحمي احداً". لكن نصرالله نفسه سرعان ما بكى عندما أعلن اغتيال مصطفى بدر الدين. اما الوزير العوني جبران باسيل، ففاضت عيناه بالدموع عندما أعلن توقيع اتفاق معراب مع سمير جعجع، وهو الاتفاق الذي يتنصل منه اليوم.

واستعرضت مجلة "كلوزير" الفرنسية تقريراً بعنوان "دموع الرؤساء"، ألقت الضوء خلاله على تساقط دموع بعض الرؤساء لأسباب مختلفة. وأشارت المجلة، إلى أن رؤساء العالم هم عادة أقوى الرجال أو هكذا يفترض أن يكونوا، لكن من الممكن أن تذوب هذه القوة أحيانا أمام المشاعر الإنسانية، ففي لحظة ما تتغلب الطبيعة على الهالة، وتنهمر الدموع ليس فقط في الخفاء ولكن أيضًا أمام عدسات المصورين.

وأضافت المجلة، أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، انهارت دموعه مرتين، الأولى كانت عندما علم بسجن نجليه علاء وجمال، حيث دخل وقتها في بكاء هستيري ولم توقف بكاءه إلا الحبوب المهدئة. وفي المرة الثانية، بكى داخل قاعة المحكمة وهو نائم على ظهره، والمصريون يهتفون ضده. أما الرفيق معمر القذافي، الذى خاطب مواطنيه باستعلاء وتجبر، فقد بكى عندما ألقى الثوار الليبيين القبض عليه بعد فراره عبر "قسطل" صرف صحي أختبأ فيه، وهنا بكى أمام مواطنيه وهو يهتف "الرحمة – الرحمة" قبل أن يُقتل.

هكذا، رؤساء يستجلبون العواطف بالدموع، سواء نتيجة إحساس أم تمثيل، في بلدان يغرق ناسها في دموع الشقاء، بل في بلدان يبكي ناسها دماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها