من وجهة النظر هذه، تبدو النتيجة مفاجئة عندما نعلم أن كرة القدم النسائية ولدت في العام 1910، بالتزامن مع غيرها من الرياضات النسائية، مثل ألعاب القوى وكرة السلة التي لا تتلبسها الفوارق الجندرية نفسها. أظهرت هذا الواقع، المؤلفات والصحافة والمنشورات الأكاديمية حول تاريخ هذه الرياضة. أبرزها ما كان قد جاء في كتاب المؤرخ خافيير برويل، بعنوان "تاريخ كرة القدم النسائية في أوروبا"، الذي يعدّ مرجعًا لولادة هذه الممارسة في أوروبا، حيث يسهب المؤلف حول ما واجهته النساء من تحديات في الأوساط الرياضية ومن قادتها الذكور، والمنعطفات التي مكنتهن من الانتقال من التهميش القسري إلى انطلاقة جديدة.
ففهم وضع كرة القدم النسائية، يتطلب الوقوف عند تقاطع تاريخ الرياضة مع تاريخ المرأة. بيد أن هذه الرياضة المتأخرة، لكن المبشرة بالازدهار، في القرن التاسع عشر، كان قد أعقبها حظر في بداية القرن العشرين، ما زال يحمل آثاره في الذهنيات السائدة اليوم.
في البداية، كانت كرة القدم تشكّل الرياضة التقليدية للمدارس الإنكليزية العامة. وخلافاً لما توحي به أسماؤها، فإن هذه المدارس مخصصة لأبناء الطبقة الأرستقراطية، كما هو الحال بالنسبة للطبقة الحاكمة. وبالتالي، فإن كرة القدم مخصصة لهذا الحيز الذكوري. وجسّدت كرة القدم جزءاً من ثقافة الرياضة التي تتعلق بتحصين الأطفال الذكور، لتشكيل شخصية شجاعة ونحت جسد رياضي، في عالم يتجه نحو حروب وشيكة.
وبحلول العام 1848، كانت المدارس ما زالت تلعب كرة القدم وفقًا لقواعدها الخاصة، وبتباين شاسع بين مدرسة وأخرى. إلى أن ولد أول قانون لكرة القدم الحديثة، في جامعة كامبريدج، وهو منفذ تقليدي لطلاب المدارس العامة، الذكور برمّتهم. يترجم علماء الاجتماع والرياضة هذا التفصيل بالـhomo-sociability، بمدلول المخالطة الاجتماعية، إنما بين الناس من الجنس نفسه. وجرى تبنّي قواعد كامبريدج (معدلة في العام 1856) خلال الفعل الذي يميز تقليدياً ولادة كرة القدم كما نعرفها: تأسيس اتحاد كرة القدم (FA) في العام 1863، على أيدي خريجي أوكسفورد وكامبريدج الذين سيرثون الثقافة نفسها باستثناء النساء.
وإلى هذا الاستبعاد الفعلي الأول، يضاف لاحقاً، الاستبعاد القانوني الذي سيكون حاسماً. فبعدما تطورت كرة القدم بعد العام 1863، اتخذت الرياضة فئة جديدة من اللاعبين من الطبقة العاملة ومن النساء. إذ صارت النساء تمارس كرة القدم في إنكلترا، وبعد ذلك في البلدان الأخرى بداية في دائرة خاصة، ثم بتنظيم واستعارة هيكلية كرة القدم للرجال. في العام 1881، أبلغت الصحافة عن مباراة كرة قدم "دولية" بين فريق نسائي من إنكلترا وفريق من اسكتلندا. في فرنسا، جرت أول مباراة بين ناديين نسائيين في العام 1917. إبان انتهاء الحرب، تمتعت كرة القدم النسائية بنجاح متزايد على المستوى الأوروبي، فشهدت مباريات فريق Dick Kerr's Ladies of Preston الذي لعب أمام جمهور من أكثر من 50 ألف شخص في العام 1920.
ومن المفارقات أن نجاح هذه الرياضة هو الذي هيأ انتكاستها. ففي العام 1921، منع اتحاد كرة القدم الإنكليزي أعضاءه من استقبال النساء، ومنعهم أيضاً من السماح لهن باللعب في ملاعبهم. وكما أظهر مؤرخ كرة القدم النسائية، فإن هذا القرار، الذي اتخذته هيئة بريطانية، امتد إلى الغالبية العظمى -إن لم يكن كلها- من البلدان الأخرى في العالم.
وبعد حوالى قرن على هذا الحظر، لم تُعفَ كرة القدم النسائية من الممارسات الميزوجينية، التي تحمل في كنهها ترسبات هيمنة ذكورية على كرة القدم تذهب اليوم الى حد تشبيه بطلات كرة القدم بأبطالها الذكور- المرجع في كل شأن. فاللاعبة البرازيلية مارتا، تعرف لدى النقاد بـ"بيليه النساء"، فيما أسميت نظيرتها الألمانية بريجيت برنز بـ"النسخة النسائية من غيرد مولر"، وعرفت الاميركية ميا هام بـ"ديفيد بيكهام" الكرة النسائية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها