الجمعة 2018/06/08

آخر تحديث: 09:25 (بيروت)

المهجّرون السوريون إذ يشاهدون أثاث منازلهم في معرض فني

الجمعة 2018/06/08
increase حجم الخط decrease
فوق فجيعتهم، فجع سوريون كثر مجدداً مع فيديوهات التعفيش الأخيرة المنشورة هنا وهناك، وفيها تتفقّد الكاميرا، وصوت المصوّر من ورائها، أثاث البيوت، ما تبقى من البيوت، وما نُهب: هنا كانت المكتبة، وهناك خزانة الثياب، ههنا كان الجدار، والباب،.. لقد نهب البيت حتى آخر سلك كهربائي فيه، حتى آخر "ملبن" (إطار) باب. لكن ماذا لو تسنّى للسوري المفجوع أن يعثر على باب البيت في معرض فني صوّره ريبورتاج تلفزيوني ظهر أخيراً على الفضائية السورية الرسمية؟!

لقد احتفى إعلام النظام السوري (وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، الفضائية السورية، صحيفة "تشرين"..)، والإعلام الرديف أخيراً بمعرض للنحاتة السورية بشرى مصطفى، أقيم في خان أسعد باشا العظم تحت عنوان "أبواب"، وهو، بحسب نص تقدمت به الفنانة للحصول على منحة إنتاجية "عمل فنّي تركيبي، يسلّط الضوء على محنة الجيل السوري الحالي (جيل الحرب)، ومحاولاته الحثيثة في إيجاد فضاء أوسع لطموحاته، عبر خوضه لصعوبات كثيرة وسعيه لفتح أبواب على مستقبل أكثر إنصافاً وعدلاً". وتصف الفنانة العمل التركيبي بأنه "رحلة بحث عن مستقبل بات مبهماً، ومحاولة للعبور إلى الضفّه الأكثر أماناً. يصاغ المشروع ضمن رؤية بصريّة من اثني عشر باباً حقيقياً (تجلب الأبواب من مناطق سكنية منكوبة)، وتنصب بشكل شاقولي على قاعدة دائرية، يتخلله عمل نحتي لإنسان يحاول العبور، عبور لا ينتهي، يرافق العرض مؤثرات صوتيه وإضاءة".
 أول ما يلفت أن الأبواب مجلوبة من "مناطق سكنية منكوبة"، وربما لولا هذه الإشارة -والتي يقوم عليها العمل برمته- لما استحق الأمر الاهتمام. لقد استعملت الفنانة مراراً كلمات "منكوبة، مهدمة.." في وصف المناطق السكنية التي دمرها النظام، كما لو أن هذه تهدمت بفعل كارثة طبيعية أو زلزال، وفي ذلك وحده تزوير فاضح. لن نشغل البال بكيفية وصول تلك الأبوب إلى المعرض، إن كان جرى تعفيشها مباشرة، أم بواسطة متعهدي التعفيش، ولن نسأل الفنانة إن كان من اللائق العمل على أبواب مسروقة من بيوت لها ناسها، لكن هل تحيل أبواب البيوت تلك فوراً إلى "محنة الجيل"، أم يفترض أن تحيل إلى محنة أمرّ وأقسى هي محنة اللجوء والتهجير بعد القصف والذبح والسلاح الكيميائي؟ أم أن ذلك سيدخل الفنانة في محرمات السؤال عن القاتل؟ وما دامت الفنانة قبلت إعلام النظام منبراً لها للدعاية والاستفاضة في التعبير عن "محنة الجيل" فلا شك أنها لا تحسبه ضمن أسباب دمار تلك "المناطق السكنية المنكوبة"، ولا يبدو أن لديها حساسية كافية تجاه من يمكن أن يكون له يد في الهدم والتدمير، ما دامت تتصدر إعلامه بهذه الكثرة.

إن جزءاً من اشتغال الفنانة بشرى مصطفى على الأبواب كان أقرب إلى المحو منه إلى الرسم، ففي الواقع حملت أبواب وحيطان تلك "المناطق السكنية المنكوبة" أجمل وأخطر غرافيتي شهدته البلاد في تاريخها، ولعل ذلك وحده يستحق أن يبقى ويوثق ويحفظ لـ "جيل المحنة". ما فعلته الفنانة أنها استبدلت عبارات السوريين المحفورة بالدم والدمع والأمل (من حسن الحظ أن صوراً وفيديوهات كثيرة ما زالت تحفظ تلك العبارات) بعبارات مكرورة ومراهقة من قبيل "أنت تستحق الأفضل، تقدّم"، و"ابحث عن حلمك"، و"كن شجاعاً"، و"هناك أمل".. لو أتاحت الفنانة لنفسها أن تطلّ قليلاً على ما قدمته الثورة في بلدها من صور لاستنتجت ببساطة أن الواقع متقدم على الفن، وأن الجيل (على الأرجح قتل تحت التعذيب) حالم أكثر مما تحتمل الأبواب المنهوبة والدوائر المفرغة.
يذكر أن مشروع "أبواب" فائز بمنحة من مؤسسة "اتجاهات- ثقافة مستقلة"، في إطار برنامج "مختبر الفنون"، الذي تقول "اتجاهات" إنها "تتوجه من خلاله إلى الفنانين والكيانات الثقافية السوريّة بهدف دعم ممارساتهم الإبداعية لتكون متجاوبة مع الأمكنة الجديدة الموجودين فيها، وإلى تعزيز أشكال التعبير الفنية وإتاحة الفرص أمام المبدعين المستقلين حتى يتمكنوا من تقديم أعمالهم الفنية". فأي أمكنة جديدة، وأي استقلالية مع مشروع لم يأت أصحابه مرة، وهم يطلّون عبر الإعلام الرسمي، على ذكر الجهة الحقيقية الداعمة (اتجاهات)، فيما تقارير الإعلام الرسمي تكتفي بالإشارة إلى مديرية الآثار والمتاحف، ومن ورائها وزارة الثقافة بدعم ورعاية العمل. هل علينا أن نستنج أن وزارة ثقافة النظام و"اتجاهات- ثقافة مستقلة" شريكين في إنتاج مشروع "أبواب"؟!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها