الإثنين 2018/06/25

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

متعة التعادل السلبي.. أو "كيف نفهم كرة القدم"

الإثنين 2018/06/25
متعة التعادل السلبي.. أو "كيف نفهم كرة القدم"
أي لاعب يمكنه أن يصبح بطل مناسبة معينة
increase حجم الخط decrease
كرة القدم ليست فقط الرياضة الأكثر شعبية في العالم، بل إنها أيضاً واحدة من أكثر أشكال الثقافة العالمية انتشاراً. في كتابه الجديد "لغة اللعبة: كيف نفهم كرة القدم"، يتعمّق الأميركي لوران دوبوا، أستاذ الدراسات الرومانسية والتاريخ ومدير منتدى العلماء والباحثين في جامعة ديوك، في عالم الساحرة المستديرة وغوايتها للبحث عن أسباب تفسّر الظاهرة ثقافياً. وانطلاقاً من انتشارها الواسع على مستوى العالم، يشرح دوبوا تاريخ اللعبة، وتكتيكاتها، ودراماها الإنسانية، إلى جانب بحثه عن إجابات شافية حول مدى قدرة الانتشار العالمي للعبة على جعلها مسرحًا محتملاً للنزعات القومية والصراعات الدولية والترابط البشري كذلك.


عادة ما يشار إلى كرة القدم على إنها "اللعبة الجميلة"، ومن السهل فهم السبب. إنها لعبة مفتوحة، عمادها الخيال الإنساني والارتجال الابتكاري والانفجارات الإبداعية المفاجئة التي في الإمكان ردّ مصدرها إلى الإلهام الإلهي، لتكتسب اللعبة جانباً ميتافيزيقاً يضفي عليها مزيداً من الغموض الساحر. وهي أيضاً تتحدث بلغة عالمية تقريباً، قادرة على إلهام مريديها بشغف متقد يشبه في سطوته الأوبرا.

لكن بالنسبة إلى غير المطّلعين، يبدو تشبيه كرة القدم على أنها نوع من الشعر البصري الفرجوي إدعاءً مبالغاً فيه. بالنسبة لهؤلاء، تأخذ تجربة مشاهدة اللعبة بعداً مختلفاً تماماً: يصبح اللعب التكتيكي على أرضية الملعب أشبه بعملية تمرير لانهائية للكرة بين اللاعبين دون حدوث أي شيء محدد، في حين تعتبر محاولات التسديد على المرمى ضربات طائشة  تفشل أكثر مما تنجح، بينما يسقط اللاعبون حتى من أدنى لمسة من المنافس، مظهرين أعماقاً لا حصر لها من الألم والإحباط على أرضية الملعب، قبل أن ينتصبوا مرة أخرى، كاملين ومتأهبين، كما لو قرروا نسيان آلامهم مؤقتاً. ضجيج بلا طحين، باختصار. لماذا نتحمّل مباراة من شوطين، كل شوط يدوم 45 دقيقة، يمكن أن تؤول نتيجتها في النهاية إلى التعادل السلبي؟ الإجابة في هذا الكتاب.

دوبوا، الذي اشتهر بعمله حول الثقافة والتاريخ في هاييتي، يقدّم في كتابه عرضاً شيقاً وممتعاً، بشكل يجعله سبباً محتملاً يكفي لتحويل وجهة غير المؤمنين بجمالية اللعبة يفعل ذلك عبر التقاط ذكي للجوانب الحسيّة للعبة، وكذلك جاذبيتها المفاهمية، وافتراض امتلاكها العناصر التي تجعلها مرآة لكثير من جوانب الخبرة الإنسانية، معطياً صوراً مستنيرة لأبطالها البارزين. يعالج دوبوا "الدراما الإنسانية الفريدة" في سبعة فصول تحمل عناوينها وظائف الشخصيات الرئيسية في الملعب، بدءاً بـ"حارس المرمى" وانتهاء بـ"المشجع"، مستكشفاً في ما بينهما كل من المدافع، ولاعب الوسط، والمهاجم، والمدير الفني، والحكم. يتعامل مع كل واحد كما لو كان نموذجاً أسطورياً، مستكشفاً سيكولوجية ووضع ذلك الرمز/ الشخص داخل إطار كوزمولوجي للعبة.

على طول الطريق، تحضر حكايات كبيرة، وأساطير، وحقائق حول هذه الحالة الرياضية، ويوضّح دوبوا تحليله بأمثلة ملموسة مستقاة من بعض أعظم الشخصيات في اللعبة وأكثر اللحظات شهرة في تاريخها والعديد من الاقتباسات الرائعة. يُبيّن كيف أن كل نوع من اللاعبين يمتلك عاطفته وانفعاله وأسلوبه الخاص، وكيف أن جزءاً مما يجعل كرة القدم رياضة فريدة، هو المساحة التي تسمح بها لشخصية لاعب معين بالتألق والانعكاس في كل حركة له على أرض الملعب، كما لو كان "الفريق يتألف من 11 بيكاسو يعايرون الإيغو الخاص بهم من أجل إفساح المجال للآخرين". أيضاً هناك العديد من الاقتباسات الرائعة يحتويها الكتاب، هنا أحدها، على سبيل المثال، من أرسين فينجر، واحد من فلاسفة اللعبة وحرّاس متعتها الخالدين: "إذا كان الله موجودًا، وفي يوم من الأيام ذهبت إلى هناك وسألني "هل تريد الدخول في رحمتي، وماذا فعلت في حياتك؟"، جوابي الوحيد سيكون: "لقد حاولت الفوز بمباريات كرة القدم". سيقول: هل هذا كل ما فعلته؟، وسيكون جوابي الوحيد: إنه ليس سهلاً كما يبدو".

أخيراً، والأهم من ذلك، فإن الهيكل البنائي الذي يستخدمه دوبوا يتيح له الوصول إلى نتيجة مفاداها أن مباراة كرة قدم واحدة يمكن مشاهدتها من وجهات نظر وافرة، ويمكن اختبارها بعدة طرق مختلفة اعتماداً على اللاعب الذي تتبنّى وجهة نظره أو تبدأ من عنده تحليلك لسير اللعب. هذه حقيقة صالحة للتطبيق في جميع الألعاب الرياضية، لكنها صحيحة جوهرياً في حالة كرة القدم، حيث أي لاعب يمكنه أن يصبح بطل مناسبة معينة، ينحّي بقية لاعبي فريقه إلى مجرد مزوّدين لدعمه، فقط ليظهر لاعب آخر في المباراة المقبلة ويصير هو البطل، وهكذا مع حلول منافسات كأس العالم وما تمنحه من إثارة وتشويق لمحبي اللعبة، إلى جانب ما تستعيده من آراء مضادة حولها؛ لا يمكن للمرء فعل ما هو أفضل من التقاط كتاب دوبوا أو إهدائه لأقرب مشجع متردد، لإعطاء فكرة عن مقدار الدراما التي تختزنها اللعبة، ولإظهار الكيفية التي يمكن بها لكامل قوس الشعور الإنساني العثور على مُقامه في غضون تلك التسعين دقيقة المقسمة على شوطين، حتى لو انتهت المباراة بالتعادل السلبي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها