الإثنين 2018/06/25

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

ماتياس رو: الفلسفة تنتعل حذاء الفوتبول

الإثنين 2018/06/25
ماتياس رو: الفلسفة تنتعل حذاء الفوتبول
يتناول حادثة زين الدين زيدان وماتيراتسي، وكل مقولاتها الأخلاقية التي انطوت على أسس لا-أخلاقية
increase حجم الخط decrease
طوال مدة كأس العالم الحالي، ومع بداية كل أسبوع، ستعمد سلسلة "مكتبة الفوتبول" إلى تقديم كتاب يتناول رياضة ولعبة كرة القدم. بعد الحلقة الأولى عن كتاب "الفوتبول، طاعون عاطفي" لجان ماري-بروم ومارك بيريلمان، هنا، الحلقة الثانية.
 

في العام 2010، أصدر شغيل الفلسفة ماتياس رو كتابه "سقراط منتعلاً الحذاء اللاقط" (ترجمة تقريبية للعنوان الأصلي، Socrate en crampons، دار فلاماريون)، ولم تكن نيته أن يعلق فلسفياً على الفوتبول، بل أن يستعمل الفوتبول لكي يعرض ويشرح عدداً من مفاهيم الفلسفة. بهذا، أدرج رو بغيته في سياق تقليد من التقاليد الكتابية التي يتبعها زملاؤه حين يقررون تقريب مجالهم من القراء، لا سيما المبتدئين منهم، بحيث يحاولون تسهيله بالإتكاء على موضوع رائج، فيذهبون بمعرفتهم إلى هذا الموضوع، علّه يساعدهم في إيضاحها، وردّ تهمة التعقيد عنهم. لكن رو لم يمض إلى كرة القدم كموضوع عام وشامل، إذ إنه اختار واقعة من واقعاتها، وهي نهائي كأس العالم 2006، أي المباراة بين المنتخبين الفرنسي والإيطالي، والتي انتهت بفوز الأخير بضربات الترجيح.


يجد رو أن هذه المباراة لم تدُر كغيرها، فقد كانت بمثابة مسرحية فلسفية، طرحت بوقائعها مسائل محددة: الإدراك في ظل التحكيم الفيديوي، الزمن بواسطة الحسم بالترجيح والوقت الإضافي، الأخلاق ومشروعيتها إلخ. طبعاً، كل مسألة ترتبط بمجرى من مجريات المباراة.

فالتحكيم من خلال التصوير المتحرك، بالإضافة إلى الأخلاق، يتصل بتلك الحادثة الشهيرة التي حصلت بين زين الدين زيدان وماركو ماتيراتسي، حين نطح الأول صدر الثاني برأسه. أما الوقت الإضافي والحسم بالترجيح، فيتعلقان بكون المباراة استوت، وطوال وقتها، على التعادل بين المنتخبين إلى أن قلبت ركلات الجزاء نتيجتها، مكرسةً مقولة أن الفرنسيين لا يلعبون كرة القدم سوى من أجل تأديتها الجمالية، وليس بغاية الفوز، كما هو الوضع مع الإيطاليين.


يعتقد رو أن التحكيم عبر الفيديو هو أثر من آثار الانتقال إلى مجتمع المراقبة الكاميراتية، فقد صار من المتاح للحكم أن يستند إلى الصورة، وليس إلى المعاينة المباشرة، لكي ينجز دوره، وذلك، على أساس أن هذه الصورة تظهر أكثر مما بمقدوره أن يلتقط بعينيه. هكذا، تحل العدسة مكان إدراكه، أو بالأحرى يمتثل بإدراكه لها. بذلك، يستطيع الحكم أن يدقق في الأخطاء، لكن، وفي الوقت نفسه، يزداد احتمال كل خطأ، الذي ينوجد في الصورة لكي ينوجد فعلاً. وبعيداً من وجهة نظره هذه، وهي وجهة نظر متداولة قبله، يتطرق رو إلى ركلات الترجيح، مفسراً إياها كتكثيف لمواجهة تتسم بالتعثر لأنها تطول، كما أنها محاولة لفرض قانون التغليب بواسطة الإطاحة بالتعادل، عدا عن كونها المباراة بلا مجراها، أي بلا زمنها الجاري، الذي يغدو مجرد "ضربات" متقطعة. على هذا الأساس، ومن جهة الترجيح نفسها، يقرأ رو الوقت الإضافي، الذي يميز في ظنه كرة القدم، إذ لا يتوقف زمن المباراة خلال نزول الطابة خارج الملعب، بل يستمر هناك، حيث ينتج التمديد، كما لو أن الطابة، وأينما كانت، تولده، أو تكون علامة عليه.


يطنب رو في كلامه عن حادثة زين الدين زيدان وماتيراتسي قبل أن يتطرق إلى المقولات الأخلاقية التي جرى إقحامها فيها، والتي انطوت، بحسبه، على معاكسها، أي على أسس لا-أخلاقية. خلال تناوله للحادثة، يذكر رو أن كل الجلبة التي دارت حولها تؤكد أن الجدال في شؤون الفوتبول وأمورها ليس سوى طرح لاستفهام "هل يمكن أن نتكلم بلا أن نقول شيئاً؟"، أو "هل نتكلم لنتبادل المعلومات فقط؟"، الأمر الذي يحيل إلى المعلقين الذي يرافقون المباريات بعباراتهم الكثيرة، محاولين ملء ما هو غير قابل للإمتلاء، أي الفراغ الشاسع بين الملعب والمتفرجين في منازلهم.

على الرغم من أسلوبه المدرسي، إلا أن كتاب رو مفيد من ناحية مسائله الكلاسيكية المختلفة، مثلما أنه ظريف من ناحية "نقله" الفلسفي لنهائي مونديال 2006، الذي لا بدّ ربما من إعادة مشاهدته قبل البدء بالقراءة، والسعي إلى الإجابة على استفهاماته: هل يكفي أن نرى لنعرف، كما هي الحال في غلطة ماتيراتسي عند الدقيقة السادسة؟ هل يشكل تغيير الرأي برهاناً على الحرية، كما في صلة زيدان بالكرة؟ هل العمل هو نقيض اللعب، تماماً، كما جرى حين ينقلب اللاعبون من مهاجمين  إلى مدافعين؟ لماذا تجلس السلطة السياسية في مقاعد المدرجات العليا؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها