الجمعة 2018/06/22

آخر تحديث: 12:39 (بيروت)

الصحافة الثقافية تحت سقف النظام...

الجمعة 2018/06/22
الصحافة الثقافية تحت سقف النظام...
معرض ابو عفش
increase حجم الخط decrease
مع بدء التظاهرات السورية في آذار العام 2011، جاءت مقاطعة الفعاليات الثقافية والفنية التي ترعاها مؤسسات النظام، كواحدة من سبل مجابهته، ولو أنها لم تكن سوى تحصيل حاصل، حتى أنها لم تتطلب نقاشاً مستفيضاً، إذ كان سوريو الثورة متأكدين من أن النظام على وشك السقوط، ولا بدّ من مقاطعة كل ما يمثله. 

كان بديهياً، والحال هذا، أن يقوم كتّاب وصحافيون كثر بمقاطعة الكتابة في صحف النظام، ما انعكس فقراً في تغطية الفعاليات الثقافية، ما انسحب أيضاً حتى على صحف الخارج، لصالح تغطية فعاليات ثقافية وفنية مناهضة.

لم يسقط النظام، ما زال جاثماً فوق صدور السوريين. سنوات طوال أفقرت الناس وأفقدتهم كل أمل. لكن في الواقع بدأ، في دوائر معينة وبعد شهور فقط من بدء الثورة، نقاش حول ضرورة استئناف الحياة، وقد رأى البعض أنه مثلما لا بد من استمرار عمل المخابز، لا بد أيضاً من استمرار فعاليات أخرى باعتبارها ضرورات حياتية. كان موسيقي سوري قد تحدث عن ضرورة استمرار التدريب الموسيقي للطلاب، بل وضرورة مشاركتهم في حفلات أمام الجمهور كجزء من برامج التعليم.

كان الأمر طوال هذه السنوات محل شدّ وجذب بين النظام ومعارضيه. وفي وقت كان السوريون يتجادلون حول ضرورات الحياة وضرورات إسقاط النظام، كان الأخير يدفع بكل قوته لاختراع فعالية ما، لتأكيد الخلاصة التي أراد إثباتها منذ الأسبوع الأول: "الأزمة خلصت، وسوريا بخير". ما يترجم بالطبع أن النظام انتصر على خصومه، أنصار المؤامرة الكونية.

متطوعون كثر أقاموا عروضاً مسرحية وحققوا أفلاماً سينمائية وحفلات شعبية في دار الأوبرا، بل وكذلك مهرجانات مسرح وسينما وملتقيات للنحت ومعارض تشكيلية كان آخرها لنزيه أبوعفش، الذي عرض في "مركز الفنون البصرية"، الفضاء الذي اقتطعه غياث الأخرس (فنان تشكيلي وعمّ أسماء الأسد) من كلية الفنون الجميلة،.. لكن ذلك كله لم يستطع حتى الآن إنعاش الصحافة الثقافية الممثلة للنظام. فمن استنكف عن الكتابة في تلك الصحف ما زال مستنكفاً، وقد غابت أسماء كبيرة عن تلك الصحف، من بينها بعض ممن هم داخل البلد، ولا شك أن عدم رغبتهم في الكتابة هو خيار وليس بالمصادفة، وهو جواب للسؤال حول إن كانت تلك الصحف تعود للنظام أم للدولة. ولا ننسى أن كفاءات وكتاباً كثيرين هجّوا مع الملايين التي هجّرت.

ترتبط الصفحات الثقافية بشكل وثيق بالفعاليات الثقافية على الأرض، فالمهمة الأولى للصفحة الثقافية في الجريدة الكتابة عمّا يحدث "الآن وهنا"، هذا معيار أساس لنجاحها وأهمية دورها، وهي غالباً ما تكون، خصوصاً في ظل نظام شمولي، صورة لتلك الفعاليات. وبالتالي يمكن أن تقرأ اليوم في تلك الصحف فقط عن أفلام تتحدث عن قذائف عمياء على المدنيين، أو عن مخطوفات من جهات معارضة، وعن "آثار مسروقة من قبل إرهابيين"، أو أنك ستقرأ عن لوحات أبوعفش الـ"مُعمّدة بالنور"، وعن عمل تركيبي يتضمن أبواباً "معفّشة" من "مناطق منكوبة"، بحسب تعبير صاحبة العمل، كما إعلام النظام، وفي حال اجتهد هذا الإعلام أكثر سيتساءل عن غياب الممثل جمال قبّش (ممثل من الدرجة الثالثة والعشرين) عن مسلسلات رمضان الأخير.

لكن تلك الصحف، التي "تستفقد" قبّش، لا تتردد في تغييب الفعالية الثقافية السورية خارج البلاد، حتى لو جاءت تلك من دون عناوين معارضة، أو إعلان صريح لعدائها للنظام أو انتمائها للثورة، فالأرجح أن المحرر الثقافي لن يورط نفسه في نقل حدث ثقافي ليس متأكداً من انتسابه، وغالباً فإن كل من هو خارج البلاد سيكون خارج مجتمع النظام "المتجانس".

الجديد هو أن صحفاً عديدة عربية ظلت لوقت طويل تتجاهل الحدث الثقافي السوري الرسمي ولا تورده في صفحاتها، بدأت من جديد بالالتفات إليه، بواسطة صحافيين ومراسلين من داخل البلاد. رغم يقينها أن الصحافي لن يستطيع تغطية الفعالية إلا بحدود المسموح، بغياب حس نقدي حقيقي، إن لم نقل بتواطؤ مع أجندة النظام. وهنا يتعامى الصحافيون (كما محررو الصفحات الثقافية في الخارج) عن حقيقة أن تلك العروض تتساوق مع وجهة نظر النظام حول ما يجري، فهي في النهاية من صنعه، أو أنها خضعت لكل الشروط الرقابية المطلوبة، ومن الواضح أن سيف الرقابة أعتى كثيراً من قبل.

أفكر الآن بصحافي (مهتم بشؤون الثقافة) معارض يعيش في مناطق سيطرة النظام (في الواقع التفكير بهذا المثال هو ما دفعني لتأمل حال الصحافة الثقافية تحت سقف النظام)، كيف وماذا يمكن له أن يكتب؟ مع كل سيوف الرقابة المستجدة!

بل أفكر بنفسي أيضاً، ماذا لو بقيت هناك، أي مقال أو تغطية صحافية يمكن أن أكتب، أي رغبة ستأخذني لمشاهدة عرض مسرحي أعرف جيداً في إطار أي سياسية ثقافية يأتي، وحتى لو تجرأ قليلاً هنا وهناك أي رقابة شطبت وعدلت وأضافت إليه؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها