الثلاثاء 2018/06/19

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

فنانة نروجية تقدم حلاً سحرياً لجُروح بيروت

الثلاثاء 2018/06/19
increase حجم الخط decrease
نحو 28 سنة مرت على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، استهلكنا خلالها هذه الذكرى كمادّة فنية أو إعلامية حتى أضحت عنواناً مكرّراً إلى حدّ الإبتذال، وقالباً فارغاً يزجّ فيه الفنان العصري كل شيء من خيالاته غير الناضجة. مئات الأعمال الفنية، متفاوتة المستويات، تناولت موضوع الحرب اللبنانية في إطار رومانسي هشّ، لكن الفنّ المعاصر وحده نجح في تحويل هذا النوع من التجارب الشرق-أوسطية إلى هزلٍ "إيكزوتيك". 

آخر هذه الإبداعات الحداثوية معرضٌ للفنانة النروجية ماري مين هالسوي بعنوان "جروح" يدّعي "شفاء جروح بيروت"، تلك التي خلّفتها الحرب اللبنانية بمظاهرها العمرانية والنفسية. هالسوي التي سبق أن عرضت في بيروت، تتحدر من أحد أكثر بلدان العالم إستقراراً، بحثاً عن مغامرة في الشرق الأوسط. رأت "البيت الأصفر" أو "بيت بيروت"، في منطقة السوديكو التي كانت سابقاً خطّ تماس بين البيروتَين المتنازعتَين، الشرقية والغربية. وعندما لمحت الفنانة صاحبة النظرة الثاقبة، آثار رصاص القناصة الذي خرق جدران المبنى، سقط عليها إلهام مفاجئ فصرخت "يا الهي، لماذا لا أغطّي هذه الثقوب بقليلٍ من القماش؟".

بقليلٍ من القماش، وجدت هالسوي دواءً لجروح المدينة اللبنانية التي ما زالت تقاسي عواقب حربٍ غير منتهية. وأمام جمهور أوروبي انكليزي، اختزلت هالسوي حرب الخمسة عشر عاماً بإعادة بناء جدار البيت الأصفر في إحدي غاليريهات لندن، راسمةً ثقوبه لكيّ يتسنى لها أن تغطيها بالأقمشة. قضت هالسوي ثماني سنوات في تطوير هذا العمل. ثماني سنوات من أجل إعادة رسم جدار خرِق في ثوانٍ، ومن أجل قول ما يمكن قوله ببضع كلمات: هناك حروب تقع في أماكن بعيدة، هيا بنا نتفرّج!

تستعرض هالسوي في موقعها الإلكتروني  مراحل تطوّر أعمالها الفنية التي تقتصر على هذا المشروع المستمرّ منذ العام 2010، وتصور كلّ شهر، أو بضعة أشهر، مباني شبه مدمّرة في بيروت، أو إعادة بناء هذا الدمار في أحد بلدان العالم. في المحصّلة، يظهر هذا العمل، أو بالأحرى غيابه، الملل الذي يعيشه بعض الأوروبيين، بفنانيهم ومتلقيهم. ويبدو أنه ما زال هناك فنانون يعانون استنزاف تاريخهم الخاص من الحروب التي أعادوا بناءها وتفكيكها آلاف المرات، ووسيلة هؤلاء للخروج من هذا القحط الإبداعي، هي بإلقاء نظرة على الشعوب المهتاجة من دون مبارحة عالمهم الساكن.

بإسم الحداثة وما بعدها، اخترقت هالسوي حرمة عالمٍ عاش تجربته الخاصة مع الحرب والصراع، من دون محاولة تقديم تفسير -ولو فني- لهذه التجربة ومن خاضها. لم نر في العمل سوى الفنانة نفسها، بغرور مَن يستهلك مآسي العالم "الآخر" ويبصقها في المعارض والمسارح. وبإسم الثقافة النسوية وجهود تمكين المرأة، أعطيت لهذه الفنانة الفرصة لعرض جهودها في تغطية الثقوب، باعتبار أن المعرض الذي إستضافها مخصّص لأعمال النساء.

ولم تنس الفنانة أن تذكّر، في عملها، بالحرب السورية الدائرة في جوار لبنان. وتعدّ الحرب السورية عنواناً مثيراً بالنسبة الى مموّلي ومستهلكي الثقافة الغربية. ولا تتوقف المحدودية الإبداعية عند هذا الحدّ، فالبيت الأصفر نفسه قد تحوّل إلى مادّة ثقافية ضحلة، مع إعادة تأهيله مؤخراً، من قبل بلدية بيروت وبتمويلٍ أجنبي طبعاً، ليصبح ملتقىً ثقافياً و"بيتاً للذاكرة اللبنانية". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها