الإثنين 2018/06/11

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

تفكيك سعيد عقل..ولغز المرأة

الإثنين 2018/06/11
تفكيك سعيد عقل..ولغز المرأة
لطالما اعترف عقل بلحظات حب في حياته لكنه يتناسى أقواله
increase حجم الخط decrease
لفتني وأنا أبحث في الانترنت، ما كتبته "الوكالة الوطنية للاعلام" عن الشاعر سعيد عقل غداة وفاته قبل بضع سنوات، فمن جملة ما كُتب من مدح: "سنة 1950 أشرقت شمس "رِنْدَلى" وصار الحبّ احلى، غدا يخصّصُ له ديوان كامل، ففي غمرة الشعر التقليدي والغزل الاباحيّ الفاحش ردّ سعيد عقل الى المرأة تاجها، فغدت من بعده تُحبُّ وتُعبَدُ. كَوْكَبَ الغزل النبيل الذي يمكن ان يُقرأ في الكنائس والمساجد. وبعد "رندلى" الشّعر سُمِّيت مئات البنات بهذا الاسم".

لا ندري من كتب هذا السرد الكهنوتي(الأرجح أحد مريدي سعيد عقل) الذي ينظر الى الشعر بمنظار ديني وعظي، يصنف الشعر بين تعبدي ملائكي، وفاحش شيطاني. كأن الشعر وظيفته وضع تاج للمرأة أو يمهدُ الطريق ليجعلها معبودة... بالطبع هذا الكلام اغراق في النمطية والخلبية، ونظرة شمولية إلى المرأة، تجرّدها من تنوعها وأحاسيسها، وتريدها على سمت واحد وصورة ايمانية واحدة و"أخلاقية" واحدة، دون الأخذ في الاعتبار ان لكل امرأة اسمها وحياتها ونمط عيشها وحبّها وقلبها وأحلامها. فليس بالضرورة أن يرد كلام سعيد عقل المعسول لها تاجها، قد تجد سعادتها في تعرية ذاتها من خلال الغزل الفاحش أو الإباحي، وقد يشكل كلام سعيد عقل بداية لكآبتها(ألم تنتحر زوجته آمال جنبلاط بعد خمسين يوماً من زواجهما وقد كتب لها قصيدة في يوم عرسهما).

على أن تصنيف شعر سعيد عقل في خانة "الغزل النبيل"، يجعلنا نسأل عن علاقته بالواقع والنساء المحسوسات وليس اللغويات، فرغم ضخامة اسمه، ركزت الأقلام على موقفه السياسي وعنصريته وعلى نظرياته الخرافية، لم نألف كاتباً من مريديه، يخبرنا عن امرأة من لحم ودم في حياة الشاعر، ولماذا خطب سعاد أبي صالح لسنيتن ولم يتزوجها؟ هل من المعقول أن تبقى المرأة في حياة شاعر مثل سعيد عقل مجرد كائن لغوي؟ لم نقرأ مقالة جديّة تظهر لنا لماذا "يقدس" الشاعر الفينيقي والدته، ويجعلها بمرتبة مريم عذراء ثانية؟! ثمة الكثير من الاسئلة تطرح حول سعيد عقل، فحتى الآن لم نقرأ حول شخصيته دراسة تبيّن أسباب نزوعه لكل المواقف الذي أخذها، ونمط الحياة الذي عاشه. ثمة محاولة بقيت خجولة للكاتب صقر أبو فخر في أحد كتبه قد تشكل نواة لدراسة تعري أسطورة سعيد عقل وتفككها وتقربه من الواقع، فـ"الشاعر الأزميلي" وهو المتأثر بالنحت والتماثيل، وإن أبدع في الغزل ووصف النساء، بقي وصفه خارجياً ولم يعش المرأة من الداخل، فهو شاعر يغرق في الشكلانية ولا يمس الجوهر والوجود، شاعر أساطير وليس شاعر حياة...

السؤال الذي يراود الكثيرين هل مشاكل سعيد عقل الفيزيولوجية جعلته يعيش المرأة في "الغزل النبيل" و"الحب العذري" و"العذرية"!؟ كتب في قصيدة "شال": "هِمْ لا تقرِّب يداً/ هِمْ بالنظرْ/ أبقى الأثر/ ما لم يزل موصداً"، أجّل عقل التفكير بجسد الحبيبة بحسب حسين بن حمزة، بقيت المرأة بالنسبة اليه أشبه بمنحوتة رخامية فائقة الجمال، مجردة من كل قبح. المرأة بالنسبة إليه ذريعة للكلام وليست كائناً محسوساً، يقول "لا اتغزل الا بالمرأة النبيلة، المرأة التي ترمي نفسها بين يديك ليست امرأة عظيمة. اتغزل بالمرأة التي لم تحب الا زوجها، المرأة التي تترك نفسها لأي كان، ليست اهلاً للغزل". ويلخص سعيد عقل بعض خصائصه الشعرية بقوله: الشعر عندي افتعال، حتى الغزل كتبته من ضمن خطتي الواعية في سياقي الشعري، كنت منذ البدء مدركاً تماماً ماذا أريد من الشعر، جميع قصائدي مقصودة لإيصال رسالة جمالية أو فكرية أو فلسفية أو لاهوتية أو علمية، حتى قصائد الحب لها رسالتها الواعية... يبالغ عقل في التعالي عن مشاعره وعدم الخضوع لها. يعترف لـ"سمرائه" بأنها "حب الطفولة"، ثمّ يتدارك: "لا تقربي مني وظلي فكرة لغدي جميلة"، وقد وصف صلاح لبكي شعره: "نحت لا مشاعر فيه ولا شعور". فهو يكتب كلاما في الفضاء.

والحب السعيد عقلي أحيانا يأخذ موضع التناقض والافتعال والنرجسية، فقبل سنوات سأله الاعلامي زاهي وهبي: "كم أمراة أحببت في حياتك"؟ فأجاب: "أحبتني ثماني نساء"، فظن وهبي أن عقل لم يسمع فأعاد طرح السؤال، فكرر عقل باعتداد "أحبتني ثماني نساء". يتعالي سعيد عقل عن الاعتراف بالحب لإحداهن، يكابر، ويقول احبتني ثماني نساء؟ هو الايغو والفحولة والنرجسية، وهو جواب اللحظة عند سعيد عقل، إذ لطالما اعترف بلحظات حب في حياته لكنه يتناسى أقواله، في المقابلة التي استقاها الزميل محمود الزيباوي من مجلة "الشبكة"، يقول عقل عن زوجته آمال جنبلاط "كنت أحبّها وأتهيّب طلبها للزواج لفارق السن بيني وبينها..." عن زواجه المتأخر، قال سعيد عقل: "كانت لي علاقات تصوّرتها في لحظات الحبّ الحلو، لكنني في قرارة نفسي، كنت أتوق إلى حبّ حقيقي يدخل التاريخ كحبّ روميو وجولييت، قيس وليلى، وبول وفيرجيني. أتوق إلى حبّ يملأ الكون، ومع آمال التقيته، وعشته، وأعيشه. إنها وحدها التي ملكت قلبي بهذه القوة، وبدونها لن أكون، ولن يكون الشعر. وهو تقرّب من حركة القوميين العرب(جمعية العروة الوثقى) ونظم لها نشيدها المعروف: "للنسور ولنا الملعب". وسبب تقرّبه من القوميين حبه لفتاة تدعى ليلى طنوس كانت عضواً في الجمعية المذكورة.

بالمختصر بقيت دارسة علاقة سعيد عقل بالمرأة كهنوتية، أليس من المستغرب أن يعيش قصة حب مع امرأة دامت 12 عاما، وبالكاد تذكر في الدراسات عنه، بينما التركيز على قصيدة كتبها عن المجدلية...

ما يقال عن سعيد عقل، يقال عن خليل حاوي وجوزيف نجيم وغيرهما...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها