الأربعاء 2018/05/09

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

الثورة الإيرانية في بيروت

الأربعاء 2018/05/09
increase حجم الخط decrease
تعود بيروت إلى الثورة الإيرانية، وذلك، عبر غاليري "آرت لاب" (الجميزة) الذي يستقبل في أيامه هذه معرض للفوتوغراف الصحافي الإيراني كاوه كاظمي بعنوان "ثوريون، العقد الأول". والأخير، لمن لا يعرفه، لم ينطلق في تصويره لولا ذلك الحدث التاريخي، بحيث أنه، وفي مطلعه، حمل كاميراته، وراح يتنقل في شوارع طهران، محاولاً إلتقاط وقائعه.


وبالتالي، بدأ كاظمي التصوير مع بدء إيران بثورتها، ما أدى إلى جعل عدسته دائمة الإرتباط بأي واقعة ضخمة، أكانت مظاهرات، أم مجازر وحروب في أنحاء العالم. وعلى هذا النحو أيضاً، استمر كاوه في الجمع داخل تصويره، بين التوثيق، أو الإخبار على وجه الدقة، والتجميل، أو إكثاف الشدة وتظهيرها من زوايا قاطعة تحديداً، ما دفع بعض الصحف إلى نشر صوره دائماً بالتوازي مع طلب صالات الفن لها، مدرجةً إياها في المدونة البصرية المعاصرة، تماماً كما فعلت الباحثة النشيطة تالين غريغور في كتابها عن "الفن الإيراني المعاصر: من الشارع إلى الاستديو" (2014).



من الممكن الإعتقاد بأن تصوير كاظمي للثورة الإيرانية أسس لعلاقته الفوتوغرافية مع كل الأحداث التي كان شاهداً عليها في مساره المهني، من لبنان إلى نيكاراغوا، وإيرلندا الشمالية طبعاً. فلكي يصور الثورة في بلاده، لم يتعامل معها بعين المنخرط المتحمس، وليس بعين البعيد البارد، بل اختار موقعاً منها، حيث يكون على مقربة منها، ولكن، بلا أن يفقد المسافة، التي تجعله يرى ويتأثر، والعكس.

إذ إنه، وعندما يصور تظاهرة، أو أي نوع من التحركات، يبدو أنه ينفعل بها قبل أن يشير انفعاله إلى جوّها ووجهها، فيلتقطهما، ويحاول أن يبرزهما. ولهذا، غالباً ما يختار لحظة مشهدية تكون بمثابة خلاصة الحادث أمامه، أي تتكلم عنه باقتضاب، وفي الوقت نفسه، يتكلم بواسطتها ليستحصل على معنى حاسم. مع العلم أن أسلوب كاظمي في التصوير الصحافي، ولأنه يرجع إلى سبعينات القرن المنصرم، أي إلى زمن كان الإبداء لا يزال يساوي الإجلاء والجرد، إلى زمن المجلة والجريدة، كان أسلوباً شعرياً، بحيث أن تمكُّنه من صميم الحدث يعني تمكُّنه من أثره في وجدان خائضيه، ومحاولة الكشف عنه ثم ترتيبه.

في النتيجة، تميز تصوير كاظمي ببينة محددة، قوامها التأكيد على أن الثورة، أو أي حدث، هي مصدر زوال وتحول. فمن المتاح، وعند التفرج على صوره، الإنتباه إلى أن عدسته تبين موضوعها بطريقة تعلم باندثاره وبتبدله، أو لنقل أنها تعادل بين اندثاره وتبدله، وفي الكثير من الأحيان، تجعل هذا الإندثار سبيلاً إلى التفجع. أما التبدل، فسبيل إلى الرهبة. من هنا بالذات، وحين صور كاظمي الثورة، بدا أنه، من ناحية، يظهر تبدد العالم الإيراني القديم على إثرها، ومن ناحية أخرى، انقلابه إلى عالم مختلف، حيث تتعدد علامات الكارثة فيه، مثلما تتعدد علامات تطويقها بالتعتيم عليها. فعلياً، الذي ينظر إلى صور كاظمي، يلاحظ أن أسودها وأبيضها ملائمان لجوها المظلم، الذي يشوبه الإنتظار، والحيرة اتجاه المقبل.

تسمح الكاميرا لكاظمي أن يكون على بيّنةٍ من كل حدث "يغطيه" ليميط اللثام عنه. هذه البينة هي، في الواقع، البينة الصحافية بمعناها الأصيل والمتماسك، الذي يجعلها فناً من فنون تلقي الحدث، ومن فنون المساواة بين قراءته والتفرج عليه، ومن فنون التنبه إلى مضامينه المتنوعة. من هذه البينة، تنطلق تلك المقولة العتيقة، التي كانت تجد في الفوتوغرافيا طريقاً من أجل الإستدلال على قيمة إعلامها: "لتتلمس مستوى الصحيفة، عليك أن تتلمس مستوى صورتها". المستوى الأول، إعلامي. المستوى الثاني، فني. وذلك، في حين كان الإعلام والفن ما زالا يتوتران، يتعاركان، يتوازنان، يتساكنان، ويتأثران بعضهما ببعض، من أجل أن يصنعا مخيلة فعالة.

من الجيد زيارة معرض كاظمي للتعرف على هذه البينة أيضاً، وليس فقط للإطلاع على ألبوم الثورة الإيرانية في أيامها العشرة الأولى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها