الأحد 2018/05/27

آخر تحديث: 08:58 (بيروت)

"مركز بيروت للفن" يعد فضاءً للغة

الأحد 2018/05/27
"مركز بيروت للفن" يعد فضاءً للغة
اللغة في الشعر تتجدد، وفي المسرح، تقع على قدرتها،
increase حجم الخط decrease
يرجع "مركز بيروت للفن"* إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي، ليتحدث عن العلاقة التي تجمع اللغة والفضاء. ومن هذه الفترة، التي تتسم، وعلى ما هو معلوم، بحراكها الإبداعي، يعمد المركز إلى اختيار أربعة فنانين:
- البلجيكي مارسيل برودهيرز الذي، وقبل أن يكون فناناً بصرياً، ورث الشعر وحبه من أبيه، وقد جهد في تحويل القصائد، لا سيما المالارمية منها، إلى منحوتات، أو إلى كولاجات.

- الأميركي ڤيتو أكونشي، درس الأدب، ثم الشعر في الجامعة، ولاحقاً، إنتقل إلى الفن البصري، ومن بعده، إلى الأداء، حيث اهتم بصلة الجسد بمعرضه.

- الفرنكو-أميركي غي دو كوينتيه، الذي ألمّ في رسومه باللغات المخترعة وبالرموز الرياضية والإشارات على أنواعها، من كلمات وأرقام، وسرعان ما وجدت هذه الرسوم طريقها إلى ديكورات المسرح.

- الأميركي ريتشارد أرتشڤاغر، فنان الفضاء من خلال رسمه ونحته وهندسته التزيينية، محدقاً، وبشكل دائم، في زمنه وحركته.

بالإنطلاق من أعمال هؤلاء، قد يصح القول إن مقاربتهم للغة، وأيا كانت، لسانية أو جسدية، أو مجردة على العموم، تتشابك، وتستقر على سوية واحدة، وهي سوية الفك. إذ إنهم لا يتعاملون معها بوصفها كلاً كثيفاً، متراصاً، لا يمكن تفتيته، أو إعادة توزيعه، بل، وعلى العكس تماماً، ينظرون إليها كجملة، وبالمعنى الواسع طبعاً، من العلامات، التي يتدخلون في تشكيلها، وتأليفها، وفي جعلها متعارضة، أو متناغمة. مع العلم أنهم، ولما يتناولون اللغة في فنهم، فذلك رداً على تجميدها أو ضبطها في حيز خاص بها، قد يكون الكلام مثلاً، وإفلاتها في أي مكان. لهذا السبب بالذات، اسلتزم العمل فيها عملاً في الفضاء، مقصدها وخشبتها.

العباراتان الأخيرتان، المقصد والخشبة، للتأكيد على أن اللغة في أعمالهم هي، بدايةً، لغة شعرية، وفي بعض الأحيان، وبطريقة واضحة، قصائدية، كما أنها تجد ملاذها في المسرح أيضاً. فالغالبية من الفنانين الأربعة وجدوا أن الشعر لغتهم، أو لنقل أنه، بحسب منظريه أو مقاتليه القدامى، شرط اللغة. فوحده الشعر هو القادر على جعل كل لغة قريبة من متحدثيها، وغير مفروضة عليهم، بل إنهم يتصلون بها اتصالاً حراً، يبدأ بالإقامة فيها وينتهي بالتكلم بها كأنها مختلفة عن نفسها. بالإضافة إلى ذلك، تذهب هذه اللغة إلى المسرح بوصفه مكانا لصناعة مرئيتها، ولتحويلها من موضوع نطق إلى موضوع تأدية.

وهنا، لا بدّ من ملاحظة أن اللغة، وفي زمن الفنانين الأربعة، كانت ذلك الوسيط الذي يحاول فنياً التأقلم مع غيره من الوسائط، وذلك، في حين أن جماعة الألسنية سعوا إلى جعل وسيطهم منفصلاً عن باقي الوسائط باعتبارها قائماً بذاته، وكمصدرها جميعها. على هذا النحو، الشعر هو جوهر اللغة، لإبداء خلقها، كما أن المسرح هو فضاؤها، لأنه يكشف عن مرئيتها المتعدية للنطق إلى التمثيل والهندسة والتصميم الجسدي. اللغة في الشعر تتجدد، وفي المسرح، تقع على قدرتها، التي، ولما تشتد، قد تحذفها حتى لا تعود لغة. "مأزق اللغة"، وبحسب أعمال الفنانين الأربعة، أنها كانت أمام خيارين، إما البقاء متحجرة، أو الانقلاب إلى متفتتة.

إلى جانب الفنانين الأربعة، هناك جمع من أغيارهم، الذين يأتون من إيران والهند ومصر ولبنان وفرنسا وتركيا، والذين يحذون حذوهم في تناول اللغة وفضائها. طبعاً، من الممكن الإشارة إلى التفاوت الفني بين أعمالهم المتوزعة على التجهيز والفيديو، ولكن، الأهم من هذا، هو أنهم، وبالفعل، يظهرون كمتحدرين من الفنانين الأربعة، والتحدر، في هذا السياق، هو تحدر "منظوراتي"، بحيث أنهم يتكئون على النظرة ذاتها الى اللغة، وإلى روابطها. إلا أن هذا التحدر ينزع مرات نحو إعادة التدوير، وفي مرات أخرى، يستقر كتظاهر للحديث عن اللغة، وبين الوضعين، يذهب إلى تناول اللغة من دون أن يتناولها. ربما، زيارة معرض "تعديلات في الفضاء" هو فرصة لتعقب منظور، موضوعه اللغة، انطلق فنياً في الخمسينات، واشتد في العقود اللاحقة عليها، فرصة لرؤيته في أعمال راهنة، تضعه  في "مأزق"، لكنه، يبين مأزقها أيضاً.

*تعديلات في الفضاء، حتى 18\7\2018
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها