الأربعاء 2018/05/16

آخر تحديث: 13:10 (بيروت)

نساء رانيا مطر: متأملات في معاركهن

الأربعاء 2018/05/16
increase حجم الخط decrease
ثمة نوع من الحزن في أغلب الصور التي التقطتها الفوتوغراف رانيا مطر لعدد من النساء بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، والتي تعرضها في "غاليري تانيت" تحت عنوان "هي" (حتى الأول من حزيران). وهذا الحزن ليس حزن التفجع أو التعاسة، بل حزن التوقف القليل، والشروع في الكشف عن معنى للحاصل قبله. لذا، نساء مطر، وعندما يجري التحديق في هيئاتهن، يظهر أنهن آتيات من مكان ما إلى العدسة، وقد جئن من أجل التأمل في هذا المكان، وفي محلهن داخله. قد يصح القول أن هذا المكان هو عالم الرجال، الذي ذهبن منه إلى دنياهن، حيث يتطلعن ويطلعن بعيون المترويات في تبصرهن. "لقد كنا هناك"، يقلن، "والآن، سندرك أكثر أين كنا"، يضفن، وأول هذا الإدراك هو ملمحهن الوجداني، الذي يفيد براحة الانقضاء، لكنه، يدل على التعب السابق عليه.


فعلى وجوه النساء، وعلى وضعياتهن أيضاً، سحنة "ذلك العالم ليس لنا". وفي جوارها، سحنة أخرى، سحنة "لكننا جعلناه ونجعله كذلك". وجمع السحنتين، ينتج "لهذا السبب نقف حالياً متأملات". لكي تبرز مطر هذه السحنات الأساس، تختار دنيا محددة لصاحباتها، وهي إما الطبيعة أو الغرفة الخاصة، وفي ظن الفوتوغراف، أنهما يتساويان من ناحية إتاحتهما للنساء أن يكن بأحوالهن، ولأحوالهن، فيهما، بلا تكلف أو تقنّع مفروضين، بل كما يردن، أو بالأحرى كما يستلزم منهن الذهاب من عالم الرجال، والتوقف للنظر فيه ملياً، وللتساؤل عن عيشهن فيه: "من كنا داخل هذا العالم؟".



لا تبدي مطر المتأملات والمتسائلات، بطريقة بروباغندية مواربة، ولا بطريقة كليشيهاتية مباشرة، لا تبديهن بالإستناد إلى تشكيل إستطيقي غريب عنهن، حتى لو أن دعائيته قد انجلت مرات، وقد نقصها شعار أو ماركة. ما تفعله مطر هو أنها تركز على هدوئهن، الذي لا يسبق ولا يلحق أي عاصفة، بل ينقلهن إلى ما يشبه الغفوة. يستلقين كأنهن انتهين للتو من معاركهن، وليس مهماً إن ربحن أم خسرن، بحيث أنها معارك متواصلة، لكنهن يسترحن منها. وهذه المعارك هي معركة وجودهن، ومعركة رغباتهن، ومعركة أجسادهن، ومعركة ولادتهن، كما أنها معركة إبطانهن لنفوسهن منعاً لرصدها في عزلتها، أو في رجاء حضورها الطلق. النساء في صور مطر يتأملن ويتساءلن، ويقدمن على كل ذلك، بسكينة.

على هذا النحو، تتعقب مطر حيوات النساء، وبالفعل، تبين بعضهن على أساس الفارق الزمني، أي بعد مرور سنوات على صورتهن الأولى. فمطر، وكما اعتاد المتابع لأعمالها، وفي أوقات كثيرة، تستعمل عدستها لسرد الحكايات الشخصية لأبطالها، الحكايات التي تقصها الوجوه، ويدل نضج هذه الوجوه على تغيرها. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى البُعد التوثيقي في صور مطر، بحيث أنها، وبتركيزها على دُنى النساء، لا تكتفي بتصويرهن في لحظة محددة، بل تحاول ملاحقتهن من بعدها، كما لو أنها تريد من عدستها الفوتوغرافية أن تنقلب إلى عدسة فيلمية، تثبت على ما تجده في إزائها، فتلتصق به على بغية نقله بأمانة.

على طول تجربتها الفوتوغرافية، ومن مجموعة مصورة إلى أخرى، تحاول رانيا مطر الإحاطة بمَعالم دُنى النساء، كشابات وأمهات، كمراهقات وكطفلات، كمترعرعات في أميركا أو مُحاصرات في مخيم برج البراجنة. لم تحِط بمعالم تلك الدنى من أجل تأطيرها، أو من أجل إدراجها في سياق أرحب منها، بل تحيط بها لتؤكد على كونها دنى قائمة بذاتها، لها مراحلها، ولها مسائلها، ولها عيشها المألوف وغير المألوف، دنى مملوءة بالسكينة، التي لا تجعلها دنى ميتة، بل متحولة للغاية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها