الإثنين 2018/05/14

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

منع "الراحل الكبير": ظلامية السوق العنكبوتي

الإثنين 2018/05/14
منع "الراحل الكبير": ظلامية السوق العنكبوتي
"آيتيونز"، وفي إثر قرار المنع، تقدم نفسها كمنصة لفرض الملائم
increase حجم الخط decrease
عندما تقلع "آيتيونز-الشرق الأوسط" عن بث أغنيات من ألبوم "لا بومب" لفرقة "الراحل الكبير" اللبنانية، فمن الممكن القول بأن هذه المنصة متعددة الجنسيات تضبط محتواها على أساس الطاغي في العالم الناطق باللغة العربية. وما هذا الطاغي طبعاً سوى مختلف ضروب الإستبداد بمعناه العمودي المتعلق بالحكم، أو الأفقي بالمتعلق بإجتماعه.

هكذا، تُجاري "آيتيونز" ذلك الطاغي لكي تستحصل على ذيوع في بلدانه، وبالتالي، وغير أنها تشتغل حياله كأي دكان يحافظ على مصلحته في شارع ضيق من خلال التملق لزعيمه، تضع منتجاتها، التي لا تصنعها بل تروجها، على مرأى عيونه، وعلى مسمع آذانه. فإذا قَبِل بها، كان "الله يحب المحسنين"، وإذا لم يقبل، فإنها تعترض عليها وتردها عنها.

إذاً، ثمة قران بين الظلامية بنسخها المتوسطية المتنوعة، من التشدد إلى التعسكر، والظلامية بنسختها السوقية، المتعلقة بالسلع ومراقبة نوعها ومضمونها، إتاحةً لبعضها، ومنعاً لبعضها الآخر. فلا تعمل الثانية بلا النزول عند إرادة الأولى. كما أن الأولى، ولكي تسمح للثانية بالوجود في رجائها وهو بمثابة سوق أيضاً، تسهر على سيرها، وتحرس تطبيقها لإرادتها. وعلى هذا النحو، تكون الأغنيات التي تدرجها "آيتيونز" في منصتها قد تعرضت لإمتحان القران بين الظلاميتين، بحيث أنها نجحت فيه قبل أن تمر إلى المشتركين، الذين يتلقونها بلا إدراكهم بأنها "مشفرة" سلفاً، ولا يفيد هذا "التشفير" سوى في جعلها سلعاً لا تضر الطاغي، ولا تخل به البتة.

كان من المفترض أن تكون "آيتيونز" متفلتة من قران الظلاميتين. لكنها، في الواقع، لا تبدو كذلك. فهذا الإفتراض يعتقد بأنها تعمل على أساس تشجيع حرية التعبير والإبداع في الشبكة الإلكترونية، إلا أنها تعاكس هذا الإعتقاد، أكان في حالة "الراحل الكبير"، أو في حالات عالمية أخرى، إذ منعت أيضاً غلاف ألبوم إيف بوفييه، ومنعت غلاف ألبوم فرقة Principles of Geometry، وحتى غلاف ألبوم نيك كايف، فضلاً عن منعها عناوين الكثير من الأغنيات لنيرفانا، وكوين، وبيليل إلخ. وذلك، لدواعٍ من المتاح وصفها بالمتزمتة، كمكافحة العُري، أو العبارات المتعلقة بالأعضاء أو الأنواع الجنسية، أو لمجرد الإعتباط. فجوني كاش مثلاً، فقد إسمه الأول في المنصة، واستُبدل بثلاث نقاط: J***y Cash، بلا أي سبب مقنع أو محدد حتى.

إذاً، يندرج منع أغنيات "الراحل الكبير" في سياق من الرقابة التي تمارسها "آيتيونز" دولياً، وليس شرق أوسطياً فقط. وربما، تتكشف هذه الرقابة أكثر في العالم الناطق باللغة العربية، لتكون دواعيه هي دواعي معاكسة ومنافية لأي شكل من أشكال حرية التعبير ولأشكال الإبداع، بحيث أنها سعي لإرضاء الطاغي، والتكيف معه، بالإضافة إلى التواطؤ معه أيضاً. فبعيداً من نطاق الشرق الأوسط، تعتمد "آيتيونز" مقصاً رقابياً متردداً، مرةً يقطع جملة، ومرة يشوه صورة، ومرة يبدل عنواناً. لكنه لا يمنع أغنية، أو أي منتج ميديوي، بطريقة جلفة وبالكامل.

وذلك، على عكس ما فعلته في الشرق الأوسط، حيث غدا مقصها متيناً بسبب استبدال قبضته بقبضة الطاغي، التي تمضي إلى المنع كأنها تمضي إلى مألوفها، وكأنها تؤكد على تاريخها.
يبقى أن منع "آيتيونز" لأغنيات "الراحل الكبير" لأنها "غير ملائمة للعالم العربي"، ينطوي على تمجيد للملائم، الذي، وعادةً، لا يمكن أن يظل ملائماً من دون فرضه مرةً تلو الأخرى.

فـ"آيتيونز"، وفي إثر قرار المنع، تقدم نفسها كمنصة لفرض الملائم، أي الطاغي، ولتلافي الإصطدام به، ولو عنكبوتياً على الأقل. غير أن المضحك هو نسيان "آيتيونز" للبديهي، وهو أن الإنترنت لا يتوقف عند منصة أو غيرها، مهما حاولت الاستيلاء عليه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها