الأحد 2018/05/13

آخر تحديث: 10:10 (بيروت)

كلما سمعت "يا كافر" تحسست مسدسي..المثقف المصري مسلحاً

الأحد 2018/05/13
كلما سمعت "يا كافر" تحسست مسدسي..المثقف المصري مسلحاً
لماذا تحمل مسدساً يا دكتور زيدان؟
increase حجم الخط decrease
تلقى الروائي المصري يوسف زيدان شتائم من شخص ما (وصفه زيدان بالمخبول)، أثناء جلوسه في أحد مقاهي ضاحية الزمالك مراجعاً مخطوطة روايته، هاجم المخبول زيدان لفظياَ، قائلا: بتكتب إيه؟ اتق الله يا كافر، الإسلام قادم، الإسلام قادم.


الحكاية كتبها يوسف زيدان في تعليق فيسبوكي، لكنه قبل أن يصل إلى نقطة تعدي الرجل عليه باللفظة "يا كافر"، أشار إلى أنه تحسس مسدسه، بحيث يرتدع عما يراوده من أفكار مهووسة بحد قول زيدان في منشوره، الذي عنونه "وقائع مصرية" وكتب فيه:

بالأمس، أزعجتني طوال النهار الدقات المتوالية بالشقة المجاورة التي يجري تجهزيها للسُّكنى، بإزالة بعض حوائطها لتزداد اتساعاً. ولأنهم أخبروني بانهم سوف يستكملون عملهم اليوم، فقد صحوت فجراً وعكفت على مراجعة بروفات الفصلين الأخيرين من روايتي القادمة "فردقان". وحين ابتدأ الدقُّ، أخذتُ أوراقي ومشيت حتى بلغت مقهى ومطعم "قعدة شرقي" المجاور لساقية الصاوي، واستكملت هناك المراجعة. بعد ساعات، في حدود الواحدة ظهراً، دخل رجل عليه علامات الخبل وحدجني بنظرات أرادها مخيفة، ورأيتها تدعو للشفقة عليه. دار حولي، فرأيت مشيته المتنمّسة في لوح الزجاج المقابل، فتحسست مسدسي بحيث يلمحه، فيرتدع عما يراوده من أفكار مهووسة. وفجأة، وجدت العاملين يدفعونه خارجاً وهو ينظر نحوي ويصيح بلسان مجنون، قائلا ما نصه: بتكتب إيه، اتق الله يا كافر، الإسلام قادم، الإسلام قادم! ودفعوه إلى الرصيف العالي، فاختفي في زحام شارع 26 يوليو.


تبدو الحكاية خالية من المنطق، إذ هل تدفع رؤية مجرد شخص مخبول أو مشرد في الشارع، أخطل كان أو غير متزن نفسيا، مثقفا مصرياً لتحسس مسدسه، أو إشهاره حتى، على الرغم أن التحرش اللفظي بزيدان لم يكن قد وقع فعلا بعد، إذ إن الرجل الذي ظهرت عليه علامات الخبل لم يرتدع بالمسدس الذي تحسسه زيدان، بل تقدم منه ونعته بالكافر، ووعده بقدوم الإسلام.

ومع خلو الحكاية من المنطق، فإنها تطرح عدة أسئلة بدون إجابات عن المشهد الثقافي المصري في وضعه الحالي، السؤال السهل منها عن حالة المثقف المصري، ومدى حاجته لحمل السلاح لمواجهة التهديدات المحتملة، خاصة إن كان فاعلاً في المشهد الفكري الثقافي، ومقدماً أطروحات في حقل تجديد الخطاب الديني؟

أما أصعب هذه الأسئلة قد تكون: هل تردت الحالة الأمنية المصرية للدرجة التي تدفع المواطنين لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد المخبولين أو المعتوهين مطلقي السراح في الشوارع؟ وهل تزخر الشوارع المصرية بأشخاص يدفعوننا للتسلح في رواحنا ومجيئنا؟

وعلى الرغم أن يوسف زيدان معروف عنه إثارة بعض الأفكار المناوئة للمعهود عند رجل الشارع المصري، مثل انتقاده لصلاح الدين الأيوبي، أو إثارته الزوابع التاريخية حول مدى صدق واقعة تصدي أحمد عرابي للخديوي توفيق وتشكيكه في مقولة "لقد خلقتنا أمهاتنا أحرارا" المنسوبة لعرابي، وهو ما دعا أحد المحامين إلى مقاضاته ومنعه من الظهور في فقرة عن الكتب بعنوان "رحيق الكتب" في برنامج الإعلامي المصري عمرو أديب، على الرغم من كل ذلك، إلا أن ما حققه زيدان في حقل الإنتاج الأدبي أغزر مما حققه مثلا في مقولات تجديد الخطاب الديني، فهل ينتمي منشور زيدان إلى خانة "التعليقات" الاستعراضية المثيرة للجدل، أم أنه ينشر حالة من الردع حول نفسه، تحسباً لتهديدات حقيقية تلقاها؟

الذين يعرفون نشاط زيدان الفكري، يدركون أنه يتمتع بقدرة هائلة على إثارة الجدل حول قضايا تاريخية، وقلما تطرق لموضوعات تمس الموتورين، أو المتطرفين ممن قد يستهدفونه، فهو ليس فرج فودة مثلاً، الذي عرت كتاباته الأفكار الجهادية والمتطرفة، وأدت إلى اغتياله في النهاية، بعد مناظرة فكرية في معرض الكتاب عام 1992 مع الغزالي.

يتمتع يوسف زيدان بالظهور بحرية في الندوات وفي مقاهي الزمالك وسط مريديه، وهي كلها مظاهر لا تدلّ على أن الرجل مستهدف أمنيا، فلا حراسة تصحبه في حله وترحاله مثلا، ومع ذلك شاهد كثيرون زيدان يتمنطق جرابا يحوي مسدساً، حدث ذلك مع كاتب هذه السطور حينما كنت أغطي لقاء في معرض القاهرة للكتاب عام 2010، وبعد منشوره علق أكثر من قارئ أنه شاهده يحمل مسدساً. فلماذا يشعر زيدان بالحاجة لحمل مسدس لحماية أفكاره وهل يكون المسدس هو ما ينقص المثقف المصري في هذه الآونة التي يواجه فيها تضييقاً على أطروحاته، إذ أعلن زيدان نفسه توقفه عن تقديم فقرة "رحيق الكتب" مع أديب منذ أسابيع، وبالتزامن مع ذلك حددت إحدى المحاكم المصرية موعداً للنظر في دعوى المحامي الذي يتهم زيدان بتشويه الشخصيات التاريخية؟

هل يصلح المسدس أن يكون بديلا عن الحرية؟ وهل يكفي للتصدي للمتطرفين الذين يعجزون عن مخاطبة الفكرة بالفكرة، فيذهبون إلى المحاكم ليشنوا قضايا الحسبة؟

وإن كان المسدس هو ما ينقص المثقف المصري لحماية أفكاره، فهل ظهور متشرد، أو شخص تبدو عليه علامات الخبل، يعطينا تبريراً لنرديه قتيلا، حتى إذا نعتنا بلفظة "يا كافر"؟

كتب أحد أصدقاء زيدان معلقاً على منشوره: لا أستطيع تخيل مظهر حضرتك مع المسدس !!! أتفهم وأتخيل ما قد تتعرض له من مضايقات وسط العوام و"حراس التناحة" في شوارعنا، لكني لا أتخيلك تطلق النار من مسدسك هذا! هل حقاً يمكن أن تستخدم سلاحاً غير قلم؟

فأجابه زيدان: القلم أقوى.. طبعاً.

فلماذا تحمل مسدساً يا دكتور زيدان؟

                             

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها