الجمعة 2018/05/11

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

"يوم الدين" لأبي بكر شوقي: مستعمرة الجذام توسّع أسوارها

الجمعة 2018/05/11
"يوم الدين" لأبي بكر شوقي: مستعمرة الجذام توسّع أسوارها
ثمة كوميديا هرب عبرها المخرج لتناول البيروقراطية المصرية
increase حجم الخط decrease
ضمن فعليات اليوم الثاني من مهرجان "كان" السينمائي، عرض فيلم "يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي، وهي أول مشاركة مصرية في الحدث الرئيسي للمهرجان منذ "بعد الموقعة" ليسري نصر الله في 2012. لكن، خلافاً لنصر الله، ليس شوقي من المخرجين المعروفين. فـ"يوم الدين" هو فيلمه الروائي الطويل الأول، ويأتي  بعد ثلاثة افلام قصيرة، وفكرته تتحدث عن عزل مرضى الجذام في مصر في مستعمرات خاصة، تفصلهم قسرياً عن العالم. والسؤال: ماذا سيحصل اذا ما قرّر مريض جذام، ترك المستعمرة والتجوال في أرض الكنانة الواسعة؟

كان أبو بكر شوقي قد أنجز، قبل عشر سنوات، وثائقياً بعنوان "المستعمرة" عن مستعمرة الجذام في أبو زعبل. ويتابع "يوم الدين" رحلة الشخصية الرئيسة "بشاي"(راضي جمال)، وهو رجل قبطي من جامعي القمامة، شُفي من الجذام، لكن آثار الجروح شوهت جسده ووجهه، يرافقه فيها الطفل النوبي الملقب "أوباما". طفلٌ تركه اباه عند باب مستعمرة الجذام، عندما بدأت العلامات الأولى للمرض. كبر بشاي، وهو لا يعلم تماماً كم يبلغ من العمر. نرجع معه بالزمن إلى لمحات من طفولته الحزينة، وحاضره المرير. يكسب رزقه على حماره بجمع القمامة القابلة للتدوير وبيعها.

يتعاطف المخرج مع شخصياته، من دون الإنجرار إلى المبالغة والمسكَنة، ومن دون تضخيم قصصهم بشكل مصطنع يؤدي إلى تتفيه القضية. ورغم "دوز" الدراما المرتفع، فالغاية ليست تحريك نزعات عاطفية مفرطة. ووفقاً لهذا المعيار، نجح شوقي في تفادي فخّ الأفلام المتعالية التي تنتقص من معاناة شخصيات الفيلم الأصلية. هنا المأساة حقيقية، لا تحتاج أكثر من تمثيلها، فقد اجتمعت عناصرها الثلاثة: المرض المشوِّه، المجتمع القاسي، والفقر المدقع.

"يوم الدين" فيلم مثير، مع بعض النفحات العاطفية وحتى الطفولية. ويعود الفضل للسيناريو الخفيف غير المتكلف، واختيار الممثلين غير المحترفين (المريض واليتيم)، ما أضاف واقعية ومصداقية، خصوصاً أن بطل الفيلم، راضي جمال، الذي أدى دور "بشاي"، هو فعلاً مريض جذام.


شفي بشاي من المرض، لكن العلامات على جسده ووجهه ويديه مازالت نافرة. تموت زوجته بعد عمر طويل قضياه في المستعمرة، فيقرر الهجرة من مستعمرة تعجّ بمن يشبهونه للبحث عن أسرته في مدينة قنا شمالي الأقصر. يكتشف متأخراً اختباء صديقه اليتيم الصغير، النوبي الملقب بـ"أوباما" (أحمد عبد الحافظ)، في عربته التي يجرها الحمار، فبات صديق السفر. وسيواجه الرفيقان قدرًا غير مفاجئٍ من العداء، من أولئك الذين يخافون المرض، مقابل قدرٍ يسيرٍ من المودة والدعم المعنوي لا سيما من المستضعفين مثلهما.
يأخذنا "يوم الدين" في رحلة اختبار الحياة، مع خروج مريض الجذام والطفل اليتيم من مكانين احتجزاهما: مستعمرة الجذام ودار الأيتام. كيمياء غريبة بين الممثلين غير المحترفين، خلقت الألفة وسط كثير من البؤس. اذ يمشي بشاي متفادياً النظرات، لكنّ كثرة العقبات أجبرته على الصراخ "أنا إنسان"، وهو غاضب وناقم على نظرة الناس إليه. فرضت اللحظات الدرامية نفسها بكثير من الجدية والواقعية، خففتها مواقف فكاهية بسيطة، وإن كان أحياناً سطحية.

في الفيلم ثمة كوميديا هرب عبرها المخرج عند التكلم عن البيروقراطية المصرية، وانتقاد البؤس والتمييز. وهنا قد يكون شوقي قد وقع في مقاربة غير واقعية، تخفف مأساوية الواقع: فالبؤس، وعدم المساواة الاجتماعية، والتهميش والبيروقراطية، اخطر مما هي عليه في الفيلم. وهنا نلمس طرحاً هزيلاً وخفة في المعالجة وبعض المواربة في طرح المشاكل.

قدم أبو بكر شوقي حالة فردية شخصية، أكثر منها حالة مجتمع. اختبأت الأحداث، أحياناً، خلف صخب موسيقي رافق الفيلم، حتى أتى مبالغاً فيه في بعض الأحيان. وفي المحصلة يعتبر الفيلم استثنائياً بوصوله إلى المسابقة والمنافسة على السعفة الذهب إلى جانب 20 فيلماً من حول العالم.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها