الخميس 2018/05/10

آخر تحديث: 13:46 (بيروت)

مهرجان "كان 71".. وأصغر فرهادي الضائع

الخميس 2018/05/10
مهرجان "كان 71".. وأصغر فرهادي الضائع
أين فرهادي؟ ضاع، نعم ضاع بعيداً عن ايران.
increase حجم الخط decrease
 افتتح مهرجان "كان" بفيلم "الجميع يعلم" للمخرج الايراني أصغر فرهادي، الذي يخرج للمرة الأولى من كلّ ما هو ايراني، من الممثلين والبيئة إلى مكانٍ آخرٍ مختلف تماماً، إلى اسبانيا. لكنّ فرهادي رغم اختلاف الهوية، يتبع الخطوط العريضة لأفلامه السابقة، يطرح العلاقات المعقدة والمتشابكة بين الازواج والعشاق السابقين. أسرار عائلية، خطف، لقاءات غير مريحة، قضايا معلقة، مشاكلٌ أسرية، ديون قديمة وحسابات لا ينبغي الكشف عنها. وزفافٌ يشكّل التقاء كلّ هذه العقد وانكشافها. يندمج فرهادي بالبيئة الاسبانية، يطرح فكرة جديدة على السينما الخاصة به، يدخل دوامة مشاكل العائلات المنتشرة والممتدة، الخداع، مشاكل الاموال والاراضي العالقة، التواطؤ، الخطط الدنيئة وحرب الاسلاف.

نحن في بلدة صغيرة يعرف كل أهلها بعضهم البعض. نتعرّف اليهم خلال جو احتفالي، ستتزوج آنا (إيمنا غيوستا) قريباً. وبمناسبة الزواج، تأتي شقيقتها لورا (بينيلوبي كروز) برفقة أولادها من الارجنتين بينما لم يتمكن زوجها من القدوم. ها هم الأباء والأبناء والاحفاد والاصدقاء. يحضر باكو الوسيم (خافيير باردم) صديق العائلة منذ الصغر، يعمل في مزارع الكروم. لن يمر وقت طويل حتى ندرك ان باكو عاش في الماضي مغامرة عاطفية مع لورا. تتصاعد الأحداث الدرامية ليلة الزفاف، عاصفة تضرب البلدة، ينقطع التيار الكهربائي في المدينة. فجأة تدرك لورا أن ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عاما ايرين (كارلا كاميرا) قد اختفت. يتضح أنها عملية خطف والمطلوب فدية. على وجه السرعة يصل الزوج والأب اليخاندو (ريكاردو دارين). تلفّ الريبة المكان، الكل مشتبه به. 
لم يخرج فرهادي عن القوى الاعتيادية المحركة للسرد في أفلامه. هي عناصر لعب بخيوطها من قبل، من استخدام حدث غامض كوسيلة محفّزة للدراما، إلى بطولة أشخاص محاصرين في شبكة من العواطف المشوشة، المشاعر البائسة، الأسرار المظلمة والانقسامات الطبقية المتجذرة. الدافع وراء احتدام الصراع هنا هو الاختطاف، وهي زاوية جديدة نوعا ما على فرهادي، ما استدعى طريقة تصوير مختلفة وجديدة عليه. البصمة الأخلاقية واضحة، هي تشبه إلى حد كبير سينما المخرج الفرنسي كلود شابرول، منح السيناريو جميع الشخصيات الرئيسية والثانوية أسباباً كافية سواءً إقتصادية أو عاطفية لارتكاب اسوأ الشرور. القصة في "الجميع يعلم" مثيرة للاهتمام ولكنها أفلتت من بين أصابع فرهادي. رغم الإثارة والغموض الدفينين، رغم المفاتيح والحلول المحتملة، نتفاجأ بتعاملٍ باردٍ ومطوّلٍ مع الأحداث، نلمس شيئاً من اللامبالاة ما يودي بنا إلى ضياعٍ وقلّة إقتناع. تكتنز قصة الفيلم مفاجآت وأسراراً، هي تركيبة يفترض أن تخرج حيوية، لكنها مع فرهادي باهتة، افتقدت بريقها بسبب تطويل درامي غير مفهوم. هناك لحظات تمكن فرهادي فيها من التقاط بعض الومضات الدرامية المهمة، لكنه تركها معلقة. وهذا ليس اعتباطياً، مسار الفيلم بيّن عدم مبالاته بوجهة الأحداث بعد أي اضطراب. المهم بالنسبة إليه انكشاف الأسرار والمستور وما يحدث بعد ذلك ثانوي. براحة ضمير يمكن القول إن الفيلم ليس مميزا على الاطلاق، بالحدّ الأدنى فرهادي في "إيران" مختلف.


نزوح فرهادي إلى اسبانيا، إلى ثقافة مختلفة ولغة ليست بلغته الاصلية، أفقد صورته بريقها وخصوصيتها. ضاع السحر والواقعية الايرانية التي امتاز بها في افلام مثل "انفصال" او"البائع". ما تبقى هو فيلم غير سيىء بالضرورة، لكنه مخيب للآمال. منحنا فرهادي فيلماً طويلاً ضائعاً بين الاثارة والميلودراما. يجدر بالاثارة المتواصلة ان تسجننا في مقاعدنا لكنها تكتفي بجعلنا نتساءل. أمّا المعضلة الاخلاقية والعاطفية التي بنيت عليها الميلودراما فأتت مترهلة. انجرف "الجميع يعلم" الى ما يشبه مسلسلات "السوب أوبرا" الاميركية عن العائلات والطبقية والاراضي والأموال، او مثل مسلسل مكسيكي طويل عن حب ضائع ومشاكل عائلية لا تنتهي.
أفضل ما في الفيلم دون أي شك هو خافيير باردم. أعطى الحياة لشخصية يحركها جرح من الماضي، قرر أن يصبح البطل، أن يساعد دون مقابل. هو رقص بين الصراعات، الغضب، الالم والفرح. وهنا بعضٌ من الفضل لفرهادي الذي منحه شخصية أخرجت افضل ما لديه من قدرات. هيمنت بينلوبي كروز على النصف الأول من الفيلم، لتظهر في الجزء الثاني مجرّد ام يائسة. نصل إلى نهاية عاطفية تجمع البطلين، نهاية تضع حداً مفاجئاً لمأساة شخصية وأزمة عميقة بينهما، لكنها بقدرة قادر تتبخر، بشكل غير مدهش وغير قابل للتصديق.

في الخلاصة "الجميع يعلم" ليس فرهادي الذي نعرف. يبتعد المخرج الايراني عن نفسه، كأنّه ليس هو من استطاع يوماً تحريك عواطفنا دون حركات ميلودرامية زائدة. يسحرنا الفيلم لمدة ساعة، لنصل إلى نهاية غير مقنعة. هل هذه ميلودراما؟ هل هذا فيلم إثارة؟ في طريقه إلى اسبانيا خسرت شخصياته عمقها الانساني، فقدت الدراما العائلية التي اتقنها سلاسة تدفق أحداثها، لم يمنحنا مساحة للتفكير ثم يلتقطنا لينعطف بنا في دوامة الدراما. أين "الجميع يعلم" من أفلام فرهادي التي تشعرنا بأننا نتجسس على خصوصيات شخصياته الواقعية لأبعد الحدود؟ أين فرهادي؟ ضاع، نعم ضاع بعيداً عن ايران.
(*) لجنة التحكيم نسائية بغالبية أعضائها، ترأسها الممثلة الاسترالية كايت بلانشت، بالإضافة الى عضوية 8: الممثلة الأميركية كريستن ستيورت، الفرنسية ليا سيدو، المخرج الكندي دوني فيلنوف، نظيره الفرنسي روبير غيديغيان، الممثل الصيني تشانغ تشين، مؤلفة السيناريوهات الأميركية آفا دوفيرناي، المغنية البوروندية كاديا نين والمخرج الروسي أندري زفياغينتسيف. أمام هذه اللجنة مهمة شاقة تقضي باختيار الفائزين بالسعف الذهبية من بين ٢١ فيلما قُبلت في المسابقة الرسمية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها