الخميس 2018/05/10

آخر تحديث: 14:00 (بيروت)

"شعور أكبر من الحب"لماري جرمانوس..التاريخ النضالي مفتعلاً

الخميس 2018/05/10
"شعور أكبر من الحب"لماري جرمانوس..التاريخ النضالي مفتعلاً
فاطمة قتلت بالرصاص الطائش
increase حجم الخط decrease
من يشاهد فيلم "شعور أكبر من الحب" للبنانية ماري جرمانوس سابا اليوم، ولم يعش تجربة السبعينات أو يطّلع عليها وخصوصاً انتفاضة مزارعي التبغ وإضراب عمال معامل غندور، سيجد الفيلم جميلا يعرض أحداث تلك المرحلة بحب وود. فهو تطلّب من المخرجة الجهد والوقت وكان عنادها وصبرها ملحوظين حتى أنهته. ربما لن يلاحظ المشاهد أو يتنبّه إلى نواقص سأشير إليها. والفيلم يتضمن عدا النواقص "تزويرا" لبعض الوقائع غير المعروفة من جيل اليوم.



روايتي وملاحظاتي

خلال عام 2012 إتصل بي الرفيق فواز طرابلسي متمنيا علي استقبال المخرجة ماري جرمانوس، لأنها تريد ان تنتج فيلما وثائقيا عن أحداث وإضرابات معامل غندور في عام 1972، رحبت بالفكرة وأبديت استعدادي للمساعدة، لكن قبل الحديث عن الفيلم لا بد من التوضيح سبب الاتصال بي.


لماذا تم الاتصال بي أنا بالذات؟

كنت في تلك المرحلة المسؤول المباشر الأول في "منظمة العمل الشيوعي" عن عملنا النقابي، العمالي والحزبي في معمل غندور. وكنت قد عملت في المعمل منذ سن الـ17، صيف عام 1967 – كانت عادة العائلات الفقيرة ومتوسطة الحال أن ترسل أبناءها إلى المدارس شتاء وإلى العمل صيفا. عملت فيه مجددا بين عامَيْ 1969 و1970 وبدأت المنظمة تأسيس اللجان العمالية في معمل غندور وأطلقت المنظمة خلال عامي 1970 -1971 شعارها المركزي "التمحور العمالي". كان هدفنا تأسيس منظمة لجان عمالية في المعمل. وشكلت المنظمة لاحقا "تجمع اللجان العمالية" على المستوى الوطني، وكان التنظيم العمالي والنقابي "القاعدي" لمنظمة العمل الشيوعي الذي لعب دور المعارضة العمالية القاعدية لليمين النقابي  والاصلاحية النقابية.

في تلك السنوات تأسست لجان عمالية في أكثر من قسم في معمل غندور في الشياح وفي الشويفات. كان يتم ذلك بسرية تامة بسبب حدة القمع الممارس من أصحاب المعمل، وخطر الصرف من العمل عند الاشتباه بأي شيء، ومن دون أي تعويضات.

وفي 1972، عام الإضراب، كنت أمين سر الخلية المسؤولة مباشرةً عن نشاطنا في معامل غندور وفي قطاع السكاكر وعضو قيادة القطاع العمالي. ضمت الخلية آنذاك الرفاق، الشهيد عبد الرحمن لاوند (سيمون)، هاني مندس، رضا اسماعيل، نادين عاقوري (وردة) ورفعت النسر (شاكر) والذي كان أيضا عضو مكتب سياسي في المنظمة مُقررا ومشرفا على القطاع العمالي. ودرجت العادة أيضا، أن يكون أعضاء المكتب السياسي أعضاء مواظبين أيضا في خلايا محددة.


دوري في الفيلم

بعد أن رحبت بالفكرة، استقبلت المخرجة وعقدت لقاءات وجلسات نقاش مطولة معها وجلسات تصوير عديدة حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تلك المرحلة، وحركة الأحزاب واليسار، وشو يعني تحرك عمالي؟ والحركة النقابية، وتم تصوير حلقات في منزلي القديم في الشياح الذي شهد اجتماعات عمال الغندور ولجان الإضراب وزيارات الرفاق من قيادة المنظمة لمتابعة مجريات الإضراب منهم، محسن ابراهيم وفواز طرابلسي ووضاح شرارة، ومن قيادة القطاع العمالي المقرر رفعت النسر، والرفيق مصطفى- بيار عقل، كتبنا سوية في مجلة الحرية خبر استشهاد يوسف العطار، وأمنت لها التعرف والتواصل مع أحمد الشعلان رئيس لجنة أضراب عمال الغندور في بلدته العباسية ومع جميع المعنيين بالتحرك واللقاء مع أهل الشهيد يوسف العطار في بلدة شعت، وتواصلت مع اعضاء لجنة الاضراب، الاحياء، وأمنت جلسة الحوار الاخيرة في الفيلم سرد هذه التفاصيل لكي أقول إن علاقتي بالفيلم لم تقتصر على مجرد لقاء ومقابلة معي، وقد استمر هذا الدور بين سنتين او ثلاث مع تقطعات زمنية.



الإضراب

كنت أقيم في غرفة منفصلة "من الإترنيت" في منزل العائلة في الشياح، وكانت هذه الغرفة مقر لقاء العناصر الأساسية في اللجان العمالية في المعمل. وفي هذه الغرفة، ليل السبت 4 تشرين الثاني 1972، اجتمعت اللجنة الأساسية في المعمل – التي تتابع عمل سائر اللجان – وقررت إعلان الإضراب في معامل غندور، على أن يُنفَّذ القرار يوم الاثنين. كان السبب المباشر لقرار الإضراب عدم دفع أصحاب المعمل زيادة غلاء المعيشة (5%) التي أقرتها الدولة آنذاك، مرّ الإضراب بمراحل متعددة من الصعود والهبوط؛ تم إطلاق النار يوم السبت 11 تشرين الثاني 1972 وكانت نتيجة المجزرة سقوط عدد من الجرحى والشهيد يوسف العطار، العامل في معمل غندور وعضو اللجان العمالية أمام بوابة المعمل في الشياح. وكانت من الضحايا حينها، بالصدفة، فاطمة الخواجة على بعد 300 متر من مكان المواجهة.

حقق الإضراب الانتصار الأول بتحقيق المطالب وعودة العمال جميعهم إلى المعمل. في نهاية المطاف انتهت المواجهة بأن أقفل أبناء الغندور المعمل، ليفتحوه لاحقا بعد صرف معظم أعضاء لجنة الإضراب والناشطين آنذاك. أتوقف هنا عن سرد الماضي لأعود إلى قصتي مع الفيلم ومخرجته.

الملاحظات على الفيلم

يركز الفيلم في جزء كبير منه على فاطمة الخواجة. لم أفهم سبب هذا الافتعال والتضخيم، ورد في الفيلم وعلى لسان الجيران والأهل والأقارب:

فاطمة لم تكن تتجاوز سن الـ16 أو 17 سنة ولا تزال تلميذة في الصف الثالث، أي ما دون الشهادة المتوسطة. لم تكن فاطمة لا نقابية ولا حزبية ولا تعرف شيئا. كانت والدتها قد طلبت منها نشر الغسيل "وما تطلعيش لبرا" حيث ركضت إلى الخارج بسبب الضجة والعجقة فأصابتها رصاصات قاتلة.

الخلاصة هنا أننا أمام موت بالصدفة لطفلة مسكينة وبريئة، ابنة عائلة فقيرة من بلدة عيترون.

يعود الفيلم ليقدم لنا فاطمة الخواجة على لسان ماري الدبس عضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني: المناضلة النقابية القوية والحزبية النشطة والتي كانت تكثر من القراءات وعلى صلة مباشرة مع قيادة الحزب، والعاملة في معمل الغندور.

كلام ماري الدبس عارٍ من الصحة تماما وأيضا كلام ليندا مطر بأنها كانت "تعرف فاطمة وتلتقيها مع غيرها من العاملات في العمل"، وأستطيع أن أجزم كوني شاهد عيان بأن هذه الطفلة البريئة لم تكن قطعا عاملة في معمل غندور، وأضيف بأن السيدة ماري الدبس لم تكن، في تلك الفترة، تتابع تحرك عمال الغندور، بل كان يتابعه رفاق آخرون من الحزب، بعد أن انطلق وليس من بدايته. وأود هنا، لفت نظر ماري الدبس، إلى أنني لا أعتقد بأن الحزب الشيوعي اللبناني بحاجة لاختراع قصص وهمية، للدلالة على دوره العمالي التاريخي، والتأسيسي للحركة النقابية اللبنانية.

من المفارقة أن تتولى ماري الدبس التعريف والشرح للأوضاع السياسية والشعبية والحديث عن تحرك عمالي قاعدي حصل آنذاك بقيادة ما سمي "باليسار الجديد" الذي مثلته منظمة العمل الشيوعي (حاولت السلطة حينها، بسبب إضراب عمال الغندور، اعتقال كل من الرفيقين محسن إبراهيم وفواز طرابلسي اللذين اختبآ يومها في منزل المرحوم سمير فرنجية) وقد اعتبر حزبها، الحزب الشيوعي اللبناني، يومها أن إضراب العمال غير شرعي بحسب قوانين وزارة العمل والنهج النقابي للحزب ولما كنا نسميه "البيروقراطية النقابية الإصلاحية واليمين النقابي". لأن العمال لم يعرضوا المطالب أولا وإجراء المفاوضات ثانيا، وفي حال فشلت يحق لهم الإضراب بعد الوساطة والتحكيم، وهذا من سابع المستحيلات في معمل هو أقرب للمعسكر.

كان لا بدّ من إظهار القوة وكسر جو الرعب أولا وبعدها لكل حادث حديث. وهذا شرح وتحليل سبق وأن تناولته مع المخرجة ماري جرمانوس، وسجلت حلقات مطولة معي حول الرؤية العامة لتلك المرحلة وأسبابها ونتائجها.

يُظهر افتعال "شخصية المناضلة البلشفية" هذا فجاجة النقص وعدم تعرض الفيلم للوقائع الحياتية ومسيرة الشهداء الثلاثة لتحركات المزارعين وعمال الغندور، حسن الحايك ونعمة درويش ويوسف العطار الذين لم يعالج قصتهم كما يجب.

عزيزتي ماري أريد أن أقول لك وبمحبة، إن رغبتك وحاجتك لشهيدة نسائية مناضلة تشكل مدخلا لفيلمك، لتمارسي مسبقات وإسقاطات راهنة على التاريخ، لم يتحقق لأن فاطمة الخواجة لم تكن النموذج الذي تريدين ومن غير اللائق أن تبني بعضا من فيلمك على "قاعدة" غير متينة ومهزوزة.


كمين الفيلم

خلال جلسة التصوير الأخيرة من الفيلم، روينا مجتمعين بعض محطات الإضراب وكيفية بناء التنظيم العمالي في المعمل، وقبل انتهاء التصوير، تقريبا في ربع الساعة الأخيرة، طرحت المخرجة علينا أسئلة لتقييم المرحلة والتحرك. وتم الإدلاء ببعض الآراء والملاحظات السريعة، وكان الاتفاق معها أن ما حصل غير كافٍ، على أن تُنظَّم جلسة تصوير خاصة للحوار حول المرحلة وطرح الأسئلة والتقييم وتسجيل الدروس، وهذا ما لم يحصل، وغابت بالتالي إمكانية تسجيل تقييم متكامل لتجربتنا في معمل غندور والتجربة العمالية بشكل عام، وغابت دروس عامة كبيرة.


دروس ونتائج الاضراب

ليس أقلها أن تحرك مزارعي التبغ جذب رجال الدين الشيعة الذين انخرطوا في الحركات المطلبية لليسار في الوقت الذي كان موسى الصدر يخوض معركة المحرومين في وجه اليسار وفي وجه السلطة للمشاركة في السلطة، وتحول اليسار مع هذه التحركات العمالية وتقاطعها مع حركة طلابية فاعلة وناشطة إلى تبوؤ قيادة حركة شعبية وديمقراطية شكلت بوزنها الاستقطاب الأول في وجه السلطة، كما كان لهذه التحركات العمالية وإضراب عمال غندور بالذات دور في تسريع إنتاج التحول اليساري لكمال جنبلاط والجنبلاطية، وهو الذي قاد مظاهرة دعم المزارعين على عكازه وسار على رأس المظاهرة بعد مجزرة السلطة مع عمال غندور، والتي ضمت 50 الف متظاهر احتشدوا من وسط العاصمة إلى تمثال بشارة الخوري في رأس النبع، حيث ساد هذه الجموع هتاف:

"من قهري ومن جوعي بدي أعمل شيوعي/ وقولوا لاولاد الغندور العامل بالعمل مقهور"، وهذا كان مطلع الهتاف من تأليف احمد بيضون( الباحث الاجتماعي).

من دروس ونتائج الإضراب، توسع التحركات العمالية القاعدية لتطال مناطق عمالية عدة، منها مناطق المتن الشمالي والدكوانة وتل الزعتر والمكلس، التي نفذت إضرابا عماليا بدعوة من تجمع اللجان العمالية، عام 1973 ، لكسر قرار الاتحاد العمالي بإلغاء إضراب عام كان قد قرره سابقا. أدى كل هذا إلى تقليص هيمنة اليمين النقابي على قيادة الاتحاد العمالي العام وكسر التوازن لصالح دور وموقع اليسار النقابي الذي مثله الحزب الشيوعي وهو دور تطور بفعل الحركات العمالية القاعدية، ومن النتائج أيضا، تحقيق أول تعديل كبير ومهم لقانون العمل تمثل في تعديلات تُقيِّد المادة 50 من القانون التي كانت تتيح حرية الصرف من العمل، وتم فرض تعويض للصرف التعسفي وفترة إنذار. أكتفي بهذا القدر من الملاحظات، وربما أعود لاحقا للكتابة عن هذه التجربة بتوسع أكبر.

أما ما يتعلق بإنتفاضة مزارعي التبغ، أيضا هناك العديد من الملاحظات والنواقص، أدى غيابها الى إستحضار مشوه وناقص، لتلك الانتفاضة الهامة والتاريخية، حيث يمكن مراجعة ملاحظات رئيس نقابة مزارعي التبغ محمد نجيب الجمال وفؤاد المقدم، اللذين كانا من المشاركين والمنظمين الاساسيين لهذه الانتفاضة.

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها