السبت 2018/04/28

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

رحيل الإيراني عباس عطاري..مصوّر الحروب الذي تأثر ببيكاسو وسيزان

السبت 2018/04/28
increase حجم الخط decrease
"مواطن عالمي لم يتوقف عن توثيق الحروب والكوارث والمعتقدات الدينية. رحيله حزن عظيم. لتكن معه آلهة كل ديانات العالم التي صورها بشغف كبير".  بهذه الكلمات نعى رئيس وكالة "ماغنوم" الفرنسية أشهر مصوريها، الإيراني الأصل، الذي وقّع صوره باسم عباس، الإسم الذي أصبح مرادفاً لصور الحروب والثورات.


هو عباس عطاري (1944-2018). نشأ في الجزائر. عاد إلى إيران في 1971 ليصور، بعين حادّة، المجتمع الإيراني قبل وأثناء وبعد الثورة: حفلات على الطريقة الغربية، بورتريات عسكريي الشاه، مقاهي أصفهان، ثم، اعتباراً من 1979، رجال الدين والشباب الذين علقوا آمالهم على الثورة، وقلة من النساء اللواتي بدأن بالإختفاء من الشارع.

على مدى 60 عاماً، من وكالات "سيبا" إلى "غاما" ثم "ماغنوم" منذ 1981، زار بلداناً عديدة لتغطية صراعاتها: بيافرا، بنغلادش، إيرلندا الشمالية، فييتنام، حرب الأيام الستة في الشرق الأوسط، تشيلي، كوبا، أفريقيا الجنوبية، الحرب الأهلية في لبنان...

بين 1979 و1980، غطى الثورة في إيران التي عاد إليها في 1997. كتابه "يوميات إيران: 1971- 2002" نظرة نقدية، يوميات حميمة وسرد مفصّل. عن تجربته الإيرانية، قال: "كنت أدرك آنذاك أنها المرة الوحيدة في حياتي، التي لم أكن فيها فقط معنياً بالحدث، كنت متورطاً فيه، خصوصاً في بدايته". يصف نفسه بـ"مؤرخ الحاضر". كان يصرخ بوجه كل من يحاول منعه من تصوير تلك الأحداث، وبلغة فارسية، "هذا للتاريخ".

زار المكسيك بنظرة كاتب رومنسي (1983- 1986)، ضمّنها كتابه "العودة إلى المكسيك: رحلات من دون قناع"، رسمت جماليته الفوتوغرافية.

من الثورة الإيرانية التي أيدها في البداية، ثم نفر منها مع تصاعد العنف باسم الدين، بدأ يفكّر في "العلاقات البشرية المعقدة مع الله". زار 26 بلداً في أربع قارات، جمع عمله هذا في كتابه الضخم "ألله أكبر: رحلة في الإسلام المناضل" الذي اتجهت الأنظار إليه بعد 11 أيلول 2001.


"وجوه المسيحية: رحلة فوتوغرافية"-2000، استكشف فيه المسيحية كظاهرة سياسية، شعائرية وروحية.

"لا أسرد قصصاً عن الأحداث يحدث، بل أعرض نظرتي إليها" قال، محاولاً "فهم إعادة ظهور شعائر غير عقلانية في عصر العلوم والتكنولوجيا. تحوّلت الأديان إلى إيديولوجيات سياسية حرّكت الصراعات الإستراتيجية في عالمنا".

بين 2008 و2010، غاص في عالم البوذية، بعينه المشككة المتسائلة نفسها، التي تناول فيها الهندوسية في 2013. كتابه "الله الذي رأيته" شكّل ذروة عمله عن الديانات، وإستكشاف بصري مدهش لطقوس متوارثة تكيفت مع الحاضر.

نظرة إنسانية خشنة باحثة عن الحقيقة المطلقة، جمعت التصوير الصحفي والفني. عباس الذي يرفض الحديث عن طفولته في الجزائر، يقول إنه ولد مصوراً وأن الحرب الجزائرية التي شهدها في طفولته هي التي وجهته إلى التصوير الصحفي "عندما كنت طفلاً، آمنت ببطولة الصحافي: يجول العالم، ويذهب إلى الحروب، ويصور الأحداث التاريخية. اعتبرت نفسي مصوراً صحفياً وكنت فخوراً. اعتقدت أن التصوير الصحفي كان منهاجاً راقياً. اليوم، لم أعد اقول ذلك، لأنني حتى لو استخدمت أسلوب التصوير الصحفي ونُشرت صوري في الصحافة، فإنني أتناول مواضيعي بعمق، ما يتطلب وقتاً أطول لتحقيقها". كتب في 2017."عمل المصور، مع عباس، لا يتوقف لحظة الإلتقاط، بل يستمر في اختيار الصور، وإعادة قراءتها لتشكيل سرد بصري" تقول المؤرخة كلارا بوفيريس.

بنظره هناك مقاربتان فوتوغرافيتان: "إحداها الكتابة بالضوء، والأخرى الرسم بالضوء.  مدرسة هنري كارتييه- بريسون ترسم بالضوء، وتسعى إلى ذلك في صورة وحيدة. لم أكن من هذا الرأي، صوري تشكل مجموعات، هي بحث فوتوغرافي. كل صورة يجب أن تكتفي بنفسها، لكنها تكتسب قيمتها عندما تكون جزءاً من مجموعة". اعتبر الأسود والأبيض وسيلة تعبير مباشرة، مأسوية، بليغة وكونية "لأن العالم هو بالألوان، أصور بالأبيض والأسود" كان يردد.  عن سؤاله عن المصورين الذين تأثر بهم، يجيب: "رامبرانت، بيكاسو، سيزان، كارافاجيو، فيلاسكيز".

عُرف عباس، عراب أجيال من المصورين والناجي من كل الحروب، بالنزاهة والدقة والتطلب وعدم التساهل. قال بشاعرية: "المصور، سيظل دائماً الفنان الذي يكتب بالضوء".

                 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها