الخميس 2018/04/26

آخر تحديث: 14:23 (بيروت)

"نحتقر السوري لأنه سوري"

الخميس 2018/04/26
"نحتقر السوري لأنه سوري"
برنامج "قدح وجم" صورة المرآة لتلفزيون "الجديد" وشربل خليل: الرداءة.
increase حجم الخط decrease

خطاب عنصري جديد ضد السوريين،. لكن، لا جديد في "تلفزيون الجديد".

وقبل الكلام في أي شيء، لا بد من تسمية الحقيقة باسمها، لتجاوزها بالانتقال إلى الأهم. والحقيقة ههنا من شقّين: "تلفزيون الجديد"، في غالبية برامجه وأخباره وترفيهه، عنوان للرداءة والابتذال، وشربل خليل سفيه ومنحطّ، أياً كانت الشاشة التي يحطّ فيها. انتهى.

أما الكليب "الساخر" الذي بثّه برنامج "قدح وجم" عبر شاشة "الجديد" مؤخراً، للتعبير عن قرف ضاحك من تزايد عدد النازحين السوريين إلى لبنان، وليعايرهم بنزوحهم وفقرهم وإنجابهم، فما عاد مستهجناً، رغم رُخصِه السياسي والفني أيضاً. بل لعله، حتى في مضمار خطاب الكراهية، ممجوج ومكرر ومفتقر إلى عناصر الإبداع والإدهاش، إن صحّ استخدام هذين الوصفين في تناول مثل هذه الوحول التي أصبحت مادة تنافسية شعبوية بين الشاشات اللبنانية عموماً. فالاسكتشات، والكليبات، وحتى التقارير الإخبارية التي تصبّ في الخانة عينها، أكثر من الهمّ على القلب. تماماً كما باتت مواجهتها بالحجج الموضوعية من نوافل الأقوال: مسؤولية "حزب الله" – وحلفائه في لبنان وسوريا – عن معظم التهجير والنزوح من سوريا، التاريخ الطويل من الاحتقار المتبادل بين سوريين ولبنانيين – كسُلطتَين وثقافتَين، العلاقة السياسية والأمنية الطويلة والشائكة بين البلدين والتي تفسّر التصويب على الجماعة السورية في لبنان دون المصرية مثلاً أو البنغالية أو الإفريقية، استخدام النزوح السوري كفزّاعة توطين تشد عصباً طائفياً لبنانياً، الأمراض الطبقية المكمّلة للنَّفَس العنصري والتي تؤدي إلى اختزال سوريي لبنان في العمّال وحراس المباني وسائقي سيارات الأجرة وغضّ البصر عن دور ومحاسبة الهيئات الاقتصادية اللبنانية في توظيف الأجانب عموماً تهرّباً من كلفة العمالة اللبنانية، ثم تجاهل الفوائد الاقتصادية والمالية التي حصّلها لبنان بأثر من الحرب السورية بل وقبلها، بدءاً من هجرة رؤوس الأموال وتحريك الأسواق العقارية والاستهلاكية، وصولاً إلى المنح والهبات الدولية وخلق فرص عمل في مختلف قطاعات المجتمع المدني... فهذا كله قيل وتكرر كثيراً، حتى باتت دائرة "الحوار" هذا مفرغة من أي معنى أو جدوى.

لكن التطوّر الذي يستدعي الآن وقفة، قد يتمثّل في تحول خطاب الكراهية إلى ثقافة لبنانية سائدة بلا عواقب تُذكَر، رغم الموزاييك السياسي والطائفي الذي يتفجّر هذه الأيام بتناحراته، من دعاوى القدح والذم وإثارة النعرات والنيل من المقامات أو المقدسات أو السِّلم الأهلي، لغاية الضرب في الشوارع والإشتباكات المسلّحة. فيما الكراهية المبثوثة مجاناً لا تقابلها أي دراسة قانونية أو حركة سياسية أو اقتصادية لوضعها في نصابها الموضوعي كأزمة مشتركة بين المجتمعين اللبناني والسوري وكقضية يجب التعامل معها بالأرقام والسياسات العلاجية الرصينة، بدلاً من الأحكام الجوهرانية من نوع "نحتقر السوري لأنه سوري".

فأن يكون الخطاب التمييزي ضد السوريين (لا سيما السنّة منهم) أحد ركائز الخطاب السياسي، خصوصاً في موسم الانتخابات، لا سيما في البيئة المسيحية، فهذا ليس بالغريب تماماً عن أدبيات الحياة السياسية اللبنانية ودينامياتها التي تلعب أيضاً، وبكل فخر وعنفوان، على التناقضات الطائفية والمناطقية المحلية. لكن الحالة تنسحب الآن على الأداء الإعلامي الذي يزعم تفلّته من الولاء الحزبي المباشر، كما في حالة "الجديد"، وقبلها "إم تي في". وأضحى أمراً واقعاً، يشوبه التسليم بلا جدوى نقده، أسوة بالانحدار العميم في معظم الإنتاج الموسيقي والتلفزيوني والمسرحي والسينمائي والأدبي، مثله مثل اليأس من مكافحة العصبيات اللبنانية-اللبنانية، والفوضى والفساد وتردّي الخدمات والتمييز الجندري. بل أصبح مادة تندّر في صفوف السوريين واللبنانيين معاً، على طريقة كليشيه "وينيي الدولة؟".

قد يقول قائل إن الظاهرة "طبيعية" إلى حد بعيد. إذ نشهد ما يشابهها في أوروبا وأميركا، في خطاب ضد الملوّنين أو المسلمين أو المهاجرين الذين يُحمَّلون عبء البطالة والنزيف الاقتصادي وارتفاع معدلات الجريمة، وصولاً إلى تبدلات ثقافية هوياتية في تلك المجتمعات. وقد يكمل المنطق نفسه بأن بعض هذا الخوف مشروع في مجتمعات يحق لها أن تخشى على استقرارها وازدهارها من تدفق غير مسبوق للاجئين والمهاجرين. وأن بعضه الآخر مفهوم في سياق الخضّة الثقافية والاجتماعية والنفسية، ضمن مجتمعات كرست قيمها على صعيد الحريات وحكم القانون وحقوق الإنسان، أو بعد فشل قواها الليبرالية والديموقراطية في انتشالها من كبوات اقتصادية وسياسية فاتجهت إلى القوى اليمينية الخَلاصية الداعية إلى انعزال ونقاء، فسَهُل لَوم ذاك الآخر الغريب والمختلف.

لكن الفارق الأساس هنا، هو تمتع "الآخر" أو المهاجر/اللاجئ، غرباً، بحد أدنى من الحماية القانونية والإنسانية، وتحمُّل -ولو رمزي ومحدود- لمسؤولية دولية عن التدخل/عدم التدخل لوقف المجازر في سوريا. إضافة إلى توافر قوى سياسية وثقافية واجتماعية، موازية في قوة التأثير في السائد، للقوى صاحبة خطاب الرعب والتحريض، كما هي الحال في التيارات الديموقراطية – بل و"هوليوود" نفسها – إذ تجابه خطاب ترامب، وكما هو الحال في أحزاب ومنظمات توازن بخطابها وتحركاتها اليمين الأوروبي الصاعد. وبالتالي، فإن بعض التنوع الغربي يبدو عنصراً مساعداً في ضبط موجة الكراهية، ورسم حدود معقولة لتمددها.

في حين أن التنوع اللبناني يؤجج الموجة ويطبّعها في إطار "عادية الشر" التي فُقد الأمل تماماً في تحويل مسارها، ليس إزاء النزوح السوري إلى لبنان فحسب، بل أيضاً في سياق قناعة كل "جمهور" بمظلوميته وامتلاكه الصواب كاملاً وحقيقياً، بحيث يصعب "اختراقه" بأي فكرة نقدية. حتى باتت "الجماهير" اللبنانية تتعايش وتتجاور، وأسمى طموحاتها الحفاظ على ستاتيكو هشّ لا يضمنه سوى التوافق الموسمي. توافق على الحصص وغنائم السلطة، وعلى عدم تضارب الولاءات الخارجية قدر الإمكان، دون المصلحة الوطنية التي صارت بدورها مصطلحاً لإعادة التدوير بدلاً من النفايات المتراكمة منذ سنوات ثلاث.

أما الردّ على "تلفزيون الجديد"، والذي تفتقت عنه مخيلة "تلفزيون أورينت" السوري باستسهال إطلاق مدفع على ناموسة، أي وصف الشاشة اللبنانية بالنازية ذي الدلالات المهولة، ثم تسطير الرد المتلفز بخاتمة "فاجأناكم مو؟" ثقيلة الظل كمحاولة لإعادة امتلاك السخرية، فيثبت أن المشترك بين الكثير من اللبنانيين والكثير من السوريين أكثر مما يعترف به الشعبان.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها