الإثنين 2018/04/23

آخر تحديث: 15:03 (بيروت)

دنيس روش... ازدواجية الأديب والمصور

الإثنين 2018/04/23
increase حجم الخط decrease
في معرض هو الأول بعد رحيله، تقدم "غاليري فوليا"- باريس(حتى حزيران القادم)، أعمال المصور الفرنسي دنيس روش (1937- 2015) Denis Roche، المعروف أيضاً كأديب وشاعر، كان أحد رموز الطليعة الشعرية والنهضة الثقافية في الستينيات والسبعينيات.إنضم إلى جماعة مجلة "Tel Quel".  ترجم شعر إزرا باوند إلى الفرنسية، توقف عن كتابة الشعر بعدما تجاوزت دواوينه الـ 600 صفحة "الشعر فاضح وغير موجود" قال. كتب قليلاً من النثر، ثم انصرف إلى التصوير.

تساكن في داخله الأديب والمصوّر، فجسّد هذه الإزدواجية الغريبة. باريسي المولد، تولى مناصب إدارية في كبريات دور النشر الباريسية "Seuil"، كما شارك في تحرير مجلة "Tel Quel". أسس مع جيل مورا والمصور برنارد بلوسو "دفاتر الفوتوغرافيا". بلغت كتبه العشرات ونالت العديد من الجوائز. في 1991 نشر "المُضمَر والزمن" جمع فيه صور تلك الفترة، وفي 2001 أعد جيل مورا ألبوماً ضخماً بعنوان "دنيس روش: براهين الزمن" تناول فيه مجمل أعمال روش المصوّرة. في 1999 جمع في كتاب، مئة صورة وعلّق عليها، معداً قصة شخصية للفوتوغرافيا، بعنوان "كاميرا الكآبة".

تتيح الأعمال المعروضة، وبعضها يظهر للمرة الأولى، فرصة الإطلاع على غنى أسلوب فوتوغرافي لم يتوقف لحظة عن التجدد: صور ذاتية، طبيعة، عري، طبيعة صامتة... استمدت جماليتها الخطوطية والشاعرية من لحظات إستثنائية.

يؤمن بالصدفة. و"بأن الصورة أثر عميق، والعمق وليد إلتقاء الزمن والجمال. الزمن يسيطر قبل إلتقاط الصورة، يلي ذلك الجمال. الجمالي والزمني يلهوان بالمشهد الذهني، حيث يمكن أن يتراءى أناس غير واقعيين، لكنها تبقى صور ناس. أعتقد أن الفن الفوتوغرافي يرتكز على اكتمال ارتقاء الفرص، في اللحظة المناسبة التي تسبق التقاط الصورة، وفي الوقت نفسه يُضبط لقاء الزمن والجمال الذي لا يُنسى. سرد هذه الحالات السابقة على الفعل الفوتوغرافي نفسه، هو التفسير الجمالي الحقيقي الذي نقدر أن ننقله إلى الصورة التالية. الصورة هي ما سبق. الضوء إستعارة الوقت الذي نعبّر عنه..."

"تضافر الصدف يؤدي إلى تتويج الصورة، تلك اللحظة من الترنح والأزل، حيث يجتمع الزمن والجمال". تلك هي الفكرة التي تختصر أعماله الفوتوغرافية. الزمني، والبحث عن إلتقاء الجمال الشكلاني والسعادة والسواد، تجعل من أعماله إبداعات حداثية. إنه يبدع أشكالاً مبتكرة، وملامسات متتالية، إنعكاسات، وقواعد زمنية معقّدة، باحثاً عن الحرية اللامتناهية الكامنة في الفوتوغرافيا.

تحدّث في مقابلاته الصحفية النادرة والمكثّفة والتي لا تقل أهمية عن نصوصه النثرية، عن صوره الذاتية مع فرنسواز التي رافقته، معتبراُ إياها بمثابة "إشارات العشق". حاول في هذه البورتريهات الثنائية، السردية، القبض على جوهر أسلوبه في الصورة الذاتية. "هدف البحث عن السيرة الذاتية لدى روش ليس الموضوع، بل الأسلوب، الذي لا تكتمل الحقائق من دونه". كتب الناقد يان بايتنز.

قال في مقابلة: "عندما نكتب، نضع أنفسنا في الكتابة... مع إمكانية إلتقاط الصورة بعيداً عن الكاميرا، ندخل إلى الصورة... فرق آخر: بواسطة الأدب لا يمكن إلا الكلام عن الزمن من دون إظهاره. أما بالصورة فذلك ممكن... ما يستحوذ على تفكيري في الصورة هو الصمت، الصمت الآتي في جزء منه من الأسود والأبيض. هذه المفردة "الصمت" لا ترد في سياق الحديث عن لوحة أو حتى عن صورة فوتوغرافية ملونة. الأسود والأبيض يطابق الفكرة الأولية عن الصورة، جنون إيقاف الزمن، ولو لجزء من الثانية، وهذه الغاية هي باعثة هذا الصمت. الصورة تبث الصمت".

إلى الأسلوب والزمن الذين إستعادهما في صوره، لمّح أحياناً إلى ما حاول مرّة اختصاره بقول للسينمائي السويدي فون شترنبرغ: "لدي إحساس حاد بالموت يفصلني عما أصوره".  تلك هي اللعبة نفسها "الحضور الزائل"، الذي أدخله روش دائماً إلى صوره مع فرنسواز "كأن الصورة خدعة لصد الموت، ونذراً بمثابة خلاص من الزمن العابر." قال.

"أكتب لأكون وحيداً، أصوّر لأختفي" كتب يوماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها