الأحد 2018/04/22

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

محمد خير لـ"المدن":"إفلات الأصابع" لا تستهدف قارئاً مختلفاً

الأحد 2018/04/22
محمد خير لـ"المدن":"إفلات الأصابع" لا تستهدف قارئاً مختلفاً
عنوان "إفلات الأصابع" مبني على حلم يتكرر
increase حجم الخط decrease
زهور عملاقة زرعت للتجميل ثم تحولت للهجوم والقنص. جماعات بيروقراطية تخصصت في تجارة الوقت، تقتله لتحيي آخرين من رصيد الوقت والأعمار المنهوبة، وظيفتها أن تعرقل السائر وتديم الماشي، كي لا يصل المسافر أبداً. وهجرة جماعية على مركب مهلهل، يلقي بركابه الحالمين بـ"بلاد برا" في جوف البحر. حكايات ينسجها محمد خير بمهارة فائقة في أحدث رواياته "إفلات الأصابع"، يسير على حوافي الحلم، والواقع والكوابيس أحيانا، مستخدما مهاراته اللغوية كلها في سرد مكثف محكم ومثقل بالتفاصيل، كلما أوغلت في الصفحات تتشابك المصائر، وتتكشف الألغاز رويدا رويدا، لكن ما إن تفرح باكتشافك حتى يشكك في ما قدمه كله، يقترب من الواقع، ثم لا يلبث أن يحلق بعيدا في الخيال.. معمار فني شديد الحساسية، ومغامرة سردية يثبت بها خير أقدامه في عالم الأدب، الذي قدم فيه من قبل ديوانين هما "هدايا الوحدة" و"العادات السيئة للماضي"، ومجموعتين قصصيتين نال عنهما جائزة ساويرس الأدبية للشباب "عفاريت الراديو" و"رمش العين". و"إفلات الأصابع" هي الرواية الثانية له بعد "سماء أقرب".



"انظر إلى العالم الواسع يا سيف وتخيل أنه بيت كبير، فيه صالون وردهة، فيه غرف نوم ومطبخ، فيه سطح وسلالم وربما بدروم أو سندرة، وفيه أيضا حمامات، وفي الحمامات مراحيض وبالوعات، وتلك البالوعات مهما حاولت تجميلها وتزيينها فلن تكون سوى بالوعات، ومجنون من يحلم بتحويل المرحاض إلى شرفة، أكثر جنونا من يحاول".

تحت هذا الإلهام الذي جاء لبحر بطل الرواية -وكان وقتها عاجزا عن التنفس تحت وطأة ضغط حذاء الضابط الذي اصطاده من المظاهرة- قرر إن عاش، أن يغادر هذا "المرحاض"، أن يتركه إلى بلاد وأوطان أخرى "لا قهر فيها ولا جوع ولا إتاوة ولا عسكري يهينك ويضربك على قفاك أو يحبسك لمزاجه".

لكن بحر –رغم ذلك- يعود. يعود ليكون دليل سيف الصحافي المحبط والمنعزل في طريق طويل ومهمة غامضة، يحكي له حكايات، ويزور معه مدنا، يفتح عيونه على عالم واسع لم يكن يتخيل وجوده، ومع كل حكاية وكل شخصية تتضح معالم الصورة الكبيرة، وما إن تتضح تماما حتى ينهار كل شيء! فهل عاد فقط ليشاهد الانهيار؟ أم كان طرفاً أصيلا فيه؟ أم أنه في الأصل ليس إلا فكرة في رأس سيف الذاهل عن كل شيء؟!

تفتح الرواية الباب أمام  تأويلات عدة، أبرزها الثورة، رغم أنه لم يأتِ ذكرها صراحة ولا مرة واحدة، لكن السؤال يطل مع الصفحات الأخيرة، يتعمق أكثر مع النهاية، لكن ككل شيء في الرواية لا يقين ثابت، ولا شيء مؤكداً، حتى خير نفسه لا يؤكد ولا ينفي بشكل قاطع، لا يريد ربما غلق باب التأويل، يقول مجيباً على سؤالي الذي لم أستطع تأجيله: "لا أعتقد أن أيا منّا – من الكتاب أو غير الكتاب- سوف ينجو من الثورة، لقد طبع هذا الحدث المزلزل أرواح حتى أشد كارهيه، والكتابة هي خلاصة الروح فإن نجت مما طبع على تلك الروح فهي –غالبا – مزيفة".


ليست إجابة قاطعة، وإن كانت أقرب للرؤية التي ترى في الثورة محركاً أساسيا لأحداث الرواية، وربما هي الزلزال النهائي الذي يقوض البناء كله. هناك إشارات أيضا يمكن أن تعزز الفكرة، فقد بدأ محمد خير في كتابة العمل قبل 3 سنوات، وربما لم نكن بعد قد وصلنا الى يقين الفشل الذي تأكد بعد ذلك، لكن المؤشرات كانت قد بدأت تظهر، كما أنه في الوقت نفسه يقول إن مسارها تغير أيضا، كمسار الثورة نفسه "لم تكن حاضرة بهذا الشكل من البداية، وقد تغير مسارها السردي كثيراً قبل البدء في عملية الكتابة نفسها، خطرت لي الفكرة العامة قبل 3 سنوات وصرت أدوّن الأفكار كلما عنّ لي الوقت، أما الكتابة نفسها فاستغرقت صيفين ونصف شتاء، بين عامي 2016 و2017 والنصف الأول من شتاء 2017".

بعيدا عن التأويلات.. هنا يجيب محمد خير على أسئلة أخرى حول الرواية.

 

- نبدأ من العنوان والغلاف.. لماذا "إفلات الأصابع"؟ وماذا يعني الغلاف؟

* عنوان "إفلات الأصابع" مبني على حلم يتكرر لدى البطل/ الراوي "سيف" عن حادثة فقد حبيبته "علياء"، إنه حلم تختلف وقائعه عن ما حدث فعلا لهما لكنه يمثل نوعا من المجاز عما جرى، أما الغلاف فهو إشارة إلى أحداث أحد فصول الرواية بعنوان "احترس زهور".


-قراءة واحدة لا تكفي. أعتقد أنه بدون القراءة الثانية لهذا العمل يفقد القارئ الكثير من المتعة، القراءة الثانية بمثابة اللعب بعد فهم قواعد اللعبة، هناك عدة أسئلة في هذه النقطة..

أولا: هل ترى أن حتمية القراءة الثانية في مصلحة العمل؟

* لا أرى القراءة الثانية حتمية، فالقراءة الأولى نفسها ليست كذلك، لكن إذا وجد القارئ نفسه على استعداد لقراءة العمل مرة ثانية فهذا قد يقول إنه لم يتعذب كثيراً في القراءة الأولى وهذا شيء طيب، على كل حال فإن السرد غير الكلاسيكي، أو المحاولات في هذا الاتجاه، قد تتطلب قراءة غير كلاسيكية أيضا واشتباكا مع النص من نوع مختلف، وكل هذا بالطبع لا محل له إن لم يجد القارئ شيئا من المتعة بالأساس قبل أن يتخذ قراره بالعودة إلى الكتاب مرة أخرى في هذا العالم المزدحم بالكتب.


- ثانيا: هناك من يرى أنه من الظلم أن يستهلك الكاتب كل هذا الوقت في الكتابة ثم يلتهم القارئ وجبته في جلسة واحدة، بعضهم يفضل أن يبذل القارئ أيضا مجهودا ليستمع بوجبته.. هل أنت من هؤلاء؟

* لا ليس ظلماً، هذا هو الحال أيضا مع السينما أو –أسوأ- مع الأغنية التي لا تزيد مدتها عن دقائق وقد يستغرق إبداعها سنوات، مهمة الكاتب إمتاع المتلقي ومخاطبة روحه لا تعذيبه أو استرداد دَين الكتابة منه، على كل حال فإن جائزة الكاتب هي الكتابة نفسها وهي مسألة تشبه الغريزة أو كما يقال للأمهات الجدد "ما أن تنجبي حتى تنسي عذاب الحمل كأنه لم يحدث"، ولحسن الحظ أننا غير مطالبين بتربية الكتاب بعد إنجابه ولا مسؤولين عن مستقبله.

 

- ثالثا: لا أريد أن أقول أنها رواية للنخبة، لكنها على الأقل ليست للقارئ العادي الملول، من هو القارئ المستهدف بالنسبة لك، وكيف تفكر في القارئ بشكل عام؟

* ربما لا تكون رواية "سهلة" بالمعنى الدارج وذلك بسبب تخطيطها السردي، لكنها لا تستهدف قارئاً مختلفاً عن القارئ الذي تلقّى أعمالي السابقة، على كل حال مادمت لا تملك أهدافا من الكتابة سوى الإبداع ذاته فأنت لا تجلس لتفكر في نوع القارئ المحتمل، لكنك بلا شك تتخيّل هذا القارئ بناء على تجاربك السابقة، إنه خيال لا أكثر وهو ضروري كما يتخيل مؤلف الأغنية لحنها حتى يتمكن من كتابتها.


- هناك من رأى أن بعض الشخصيات كانت تستحق التوسع "العلايلي الذي خصص مستشفى كامل له وحده، وسلام المغني المتلعثم مثلا"..

* كان هذا في رأيي سوف يخل بأحجام قطع الفسيفساء التي تتكون منها شخوص وأحداث الرواية، خشيت أن يضيع التناسق المفترض.

 

- "قبل الأبد بقليل" الفصل الذي تحل عنده كثير من الألغاز كان متأخراً جداً، ما الذي راهنت عليه هنا؟ الصبر أم الحبكة؟

* لا أعتقد أنه كان متأخرا جدا فقد بدأ الفصل في الصفحة 101 أي في منتصف الكتاب الذي لا يتجاوز حجمه 190 صفحة، ربما ما أوحى بذلك هو تعدد الشخوص والمسارات التي أنشأها الفصل الأول، أما ما راهنت عليه- إذا كان ثمة رهان- فهو ألا يفقد القارئ أعصابه قبل الوصول إلى "الحلول" وحاولت أن أسلّيه كي لا يحدث ذلك.


- هناك مراوحة موزونة جدا بين الواقع والفانتازيا في العمل، هل كنت تخشى الوقوع في فخ الفانتازيا الكاملة؟

* لم أخش من هذا الفخ –لو كان فخاً من الأساس- لأنني أعرف أني لا أريده، أحب كتابة تلك الفانتازيا التي رغم طبيعتها الغرائبية يمكن أن تحدث في الواقع أيضا، ولو نظريا.


- دمجت بين فنون تجيدها، فهي رواية بنفس القصة القصيرة، والحس الشعري ظاهر جداً فيها، لا يمكن أن يكون ذلك حدث بالصدفة. ألم تخش أن يؤثر الاهتمام بالنفس الشعري على تدفق السرد؟ أم أنه كان في الأساس جزءا من اللعبة السردية؟

* ليست صدفة ولا هي بالعمد، أي أنني انتبهت إلى "نفَس القصة القصيرة" في بعض الفصول – لكني لم أتعمده بل فرضته الرواية ولم أشأ أن أشتت هذا النفس قسراً، أما اللغة الشعرية في السرد فهي غير متعمدة على الإطلاق وفي كل مرة أفاجأ بذلك التعليق، أعتقد أن الرواية كفنٍ أدبي تحتاج إلى لغة أدبية ولكن يبدو أنني أتخطى الحدود –بين الأنواع- أحياناً.


- على أي أساس تحدد نوع عملك القادم إن كان شعرا أم رواية أم مجموعة؟

* إذا كان المقصود بالعمل القادم هو النشر، فإن ذلك يعتمد على جاهزية النص، أما إذا كان المقصود هو الكتابة فإن روحي تقودني إلى هذا أو ذاك من دون خطة، بل أجد ما يملأ خاطري ويدفعني بعد وقت طال أو قصر إلى كتابته، وهو من اللحظة الأولى ينتمي إلى نوعه دون قرار مني، فما نحن –من هذه الزاوية- إلا سعاة بريد.

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها