السبت 2018/03/17

آخر تحديث: 12:46 (بيروت)

التلصص على الحشود في متحف سرسق

السبت 2018/03/17
increase حجم الخط decrease
يقدم معرض "عبر الحشود"، المستمر حتى حزيران/يونيو المقبل في متحف سرسق، مجموعة من الصور الفوتوغرافية المختارة من أرشيف فؤاد الدباس، أُخذت غالباً في أواخر القرن التاسع عشر. القاسم المشترك بين الصور، وجود مجموعة كبيرة من الأشخاص في مكان معين، أما المختلف فهو السياق الذي التُقطت فيه، والذي يتنوع بين مسيرات دينية، أسواق تجارية، واحتفالات رسمية.

عُرض بعض الصور داخل جهاز من العدسات (سمي"رياليستيك سكوب" لكن المعرض لا يقدم تعريفاً له، مكتفياً بإخبارنا عن طريقة استعماله) مخصص لإظهار تفاصيل الصور، ما يضع المتفرج في موقع يصبح فيه متلصصاً على المشهد، كأنه في موقع الشخص الذي كان واقفاً خلف الكاميرا في الأصل، ينظر عبر عدسته إلى المحتشدين أمامه.

يمكن النظر إلى استخدام العدسات، كمحاولة لتفادي إعادة إنتاج نسخ كبيرة من الصور، وذلك من أجل عرضها كما هي، بصفتها صوراً متحفية نادرة هي جزء من مجموعة يحافظ عليها المتحف، يشكل منها سنوياً في القاعة نفسها، معرضاً مخصصاً لموضوع معين يتم اختياره اعتماداً على المتاح ضمن المجموعة (يبلغ عدد صور المجموعة 30 ألف صورة وتغطي الفترة الممتدة من 1860 حتى 1960. وغالبية المعارض السابقة ركزت على فترة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين).

ورغم تنوع سياقات الإحتشاد في الصور، يبدو تركيز المعرض على الطقوس الدينية واضحاً. يبدأ من القدس التي تجذب، خلال أسبوع الفصح، الحجاج المنتمين إلى الكنائس اليونانية، اللاتينية، القبطية، والحبشية. الطقس المتبع هو إضاءة شعلة من أحد شبابيك كنيسة القيامة، حيث يسعى الحجاج لإضاءة شموعهم منها. يحصل تدافع غالباً خلال تلك الممارسة، ما يؤدي لوقوع ضحايا (في العام 1834 لقي أكثر من 300 شخص مصرعهم). الرواية التقليدية المرتبطة بالطقس، تخبر عن شعلة ظهرت في السماء في أحد صباحات الحملات الصليبية، وأضاءت جميع الشموع بعد إطفائها.

هذه الصور تظهر التجمعات الأكثف، ضمن الصور الموجودة في المعرض، ومرد ذلك غالباً إلى عدم اتساع المحتشدين في ساحات الكنائس. يظهر في هذه الصور أشخاص يقفون في مواضع غريبة، كالسلالم وحواف قبب الكنيسة، من أجل أن يحظوا بموقع جيد لرؤية ما يحصل في منصة وقوف رجال الدين. المثير في هذه الصور أنها أخذت من خلف ظهور رجال الدين المواجهين للمحتشدين، لذلك يبدو الآخرون كأنهم متواطئون مع المصور بنجامين لويد سينغلي، أو أنهم يحاولون جاهدين الظهور في صورته من خلال الصعود إلى أي مكان يظهرون منه، ما ينطبق أيضاً على صور أخرى في المعرض لأمريكان كولني.

بعض الصور أخذ من أمكنة بعيدة (صورة مسيرة عيد الفصح مثلاً) ما يجعلها مختلفة عن الصور الأخرى، وقد عرضت من دون جهاز عدسات. ورغم أنها تمحو وجوه المحتشدين، إلا أن تلك الصور تؤكد على الإختلافات في ما بينهم. فيظهر العامة منفصلين عن رجال الدين، بسبب اختلاف ثيابهم، ومرتدو الطرابيش يتمايزون عن مرتدي القبعات، والنساء اللواتي يعتبرن أقلية في أغلب الصور، يمكن ملاحظتهن بسبب عباءاتهن البيضاء التي تظهرهن بشكل فاقع بين الحشود (تتنوع عباءات النساء في الصور بين اللونين الأسود والأبيض).

تأخذ القدس حصة جيدة من صور المعرض، بينما تتوزع الصور الأخرى على القاهرة، دمشق، وبيروت. حصة القاهرة صورة واحدة تظهر الحجاج المغادرين من المدينة في ما يسميه المعرض "مسيرات كبرى" تعقب انتهاء "المهرجانات الكبرى" التي تقام خلال العيدين الكبير والصغير. يخبر المعرض: "خلال هذه الإحتفالات يتم تقديم اللحوم للفقراء إحياءاً لذكرى إبراهيم، كما يتم تبادل الهدايا الذي يحصل أيضاً بطريقة شبيهة عند الطوائف المسيحية".

هي ربما افضل صور المعرض من ناحية التوازن الذي ترسيه بين عناصرها الثلاثة المركبة: الطريق الأسود والحجاج يشكلون خطاً طويلاً في وسط الصور بين هضبتين كبيرتين. ينتهي الخط في المدينة التي تظهر في خلفية الصورة ببيوتها الرمادية والبيضاء.

أما صور دمشق فتركز على الأسواق التجارية التي تستمر لعدة أيام، وهي التجمعات الأقل كثافة في المعرض. تظهر الصور نابضة بالحياة حيث يبدو الجميع مشغولين بما يقومون به. يؤكد المعرض على أثر هذه الممارسة في حياة الأشخاص الظاهرين في الصور، بما أنها تترافق مع تفاعلات ثقافية وتبادلات تجارية ملحقة، إما في مكان حدوثها، أو في الأحياء التي أتى منها المتسوقون.

يعود المعرض للطقوس الدينية مجدداً: "لو أخذت هذه الصور (الأسواق) في مواعيد الصلاة لدى المحمديين، لرأينا تغييراً في المشهد لبضع دقائق، فكل محمدي أصيل يجثو على ركبتيه بالحال، تاركاً كل ما يشغله في تلك اللحظة، ويتلو صلاته". تظهر صور الأسواق الموجودين في غفلة عن الكاميرا، فلا تبدو وجوههم واضحة أيضاً، حيث يظهرون منصرفين إلى الشراء أو البيع أو التفرج. لم يمنع هذا من تزويد الصور بجهاز العدسات الذي يصبح أداة لمعاينة السلع الموجودة والمحال التجارية، بالإضافة لأشكال الملابس التي يرتديها السكان ذوي الأصول المختلفة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها