الأربعاء 2018/03/14

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

إلهام شاهين.. هل استحقت تكريمها؟

الأربعاء 2018/03/14
إلهام شاهين.. هل استحقت تكريمها؟
أداء إلهام شاهين السلبي يشوش على منجزها الإيجابي
increase حجم الخط decrease
ثمة من يرى أن المنجز الإبداعي هو المعيار الصحيح لتقييم فنان ما، وأن مواقفه الإنسانية السلبية لن تؤثر في قيمته، طالما استطاع أن يؤازره إنتاجه في معركته ضد الزمن. وفي حين تتعامل تلك الفرضية مع حضور الفنان كعارض مؤقت، ومع منجزه كثابت دائم، فإنها في الوقت نفسه لا تنفي تأثير ذلك الحضور على تشكيل صورته التي قد ترسخ في ذهن المتلقي.

بالأمس كرمت الدورة الأولى من "مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة"، إلهام شاهين، على منجزها السينمائي، وفي نقاش مع صديق حول الحدث، سألني مستنكرًا: "هل تستحق إلهام شاهين هذا التكريم"؟

ظن صديقي أن رصيد الممثلة المصرية من الأعمال التلفزيونية أكبر وأهم مما قدمته للسينما، ما يجعل تكريمها في مهرجان سينمائي جديد، يفترض به أن يؤسس لمصداقيته، محل استغراب. وعلى الرغم من إدراكي لمعنى السؤال، إلا أني تخيلت نفسي أجيب على سؤال آخر يخص أهليتها كممثلة من الأساس. وكان الأمر ليبدو أسهل إن تعلق السؤال بممثلة قديرة مثل نبيلة عبيد، أو بأخرى ضعيفة مثل نادية الجندي والتي لا تملك في منجزها ما يرفع اسمها غير السخرية من أدائها المبالغ فيه وأعمالها المتواضعة. والاثنتان تملكان حضورًا بات أقل وطأة من منجزهما.

لكن، أمام إلهام شاهين، وجدت نفسي كمن يرفع عنها غطاء ممالأتها لنظامي بشار الأسد وحسني مبارك، وعدائها الشديد لـ"25 يناير"، لأكشف عن قاعدة من الأفلام التجارية الضعيفة التي قدمتها خلال التسعينات. وعلى عكسي، نسي صديقي موقفها السياسي، متحولاً إلى أعمالها التلفزيونية المميزة، ظاناً أن فيها تفوقاً دراميًا على ما قدمته شاهين في السينما. ثمة تشوش أصاب حُكمينا سببه حضورها الشخصي. فهل يعني ذلك أن تأثيره كان أكبر؟ أم أن منجزها الفني لم يستطع مكافأة حضورها في ذهننا باعتبارنا متلقين مختلفين؟


في العام 1982، تخرجت إلهام شاهين (1960) في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكنها بدأت مشوارها كممثلة قبل ذلك، حين قدّمها المخرج كمال ياسين في مسرحية "حورية من المريخ" في نهاية السبعينيات، قبل أن تشارك في فيلمها الأول "رجل اسمه عباس" الذي أطلق في العام 1978. غير أن انطلاقتها الحقيقية جاءت في فترة الثمانينات، التي قدمت خلالها 33 فيلمًا، من بينها عشرة أفلام العام 1986، وثمانية أفلام العام 1987، فيما يبلغ عدد الأفلام التي شاركت فيها حتى الآن 100 فيلم (من أصل 162 عملاً قدمتها)، بالإضافة إلى قيامها بإنتاج ثلاثة أعمال أخرى. وفي ذلك ما يجيب على سؤال صديقي عن أهليتها كسينمائية. وبين هذا العدد الضخم من الأعمال الفنية، يمكنني أن ألتقط ما أجيب به على سؤالي. فشاهين لديها بالفعل عدد لا بأس به من الأفلام الملفتة، التي لعبت فيها أدورًا رئيسية، مثل: يا دنيا يا غرامي، سوق المتعة، لحم رخيص، الرغبة، خالي من الكوليسترول، خلطة فوزية، واحد صفر، يوم للستات. ومن المسلسلات التلفزيونية، مثل: ليالي الحلمية، والبراري والحامول، وألف ليلة وليلة، والحاوي، ونصف ربيع الآخر، والسيرة العاشورية، ومسألة مبدأ، والكومي، فضلاً عن إنتاجها لكل من فيلمي: خلطة فوزية، ويوم للستات الذي افتتح مهرجان بيروت أمس، ونالت عنه العديد من الجوائز المحلية كمنتجة وممثلة، فضلًا عن استعدادها لإنتاج فيلم جديد بعنوان "نسيم الحياة" من إخراج هالة خليل.

المنطق الذي يرى أن الفنان يكفيه ترك عمل واحد ذي قيمة لينال الخلود، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفرضية التي تعتبر حضور الفنان عارضًا مؤقتاً. لكن ثمة واقعاً راهناً يشوش فيه أداء إلهام شاهين السلبي، على منجزها الإيجابي، حين يضع نضالها ضد الفساد في "البراري والحامول" في مقابل دعمها لنظام فاسد كنظام مبارك، ويضعه مؤازرتها لحقوق المرأة في أعمال في مواجهة تسليعها جسدها كما ظهر في بوسترات بعض أفلامها التجارية ("جنون الحياة" مثلاً). الأمر الذي لا يبدو معه سؤالي -الذي تعثرت فيه عبثًا- عن قيمتها كممثلة، ذا صلة بتقييم منجزها في ضوء مواقفها، بقدر ما يأتي كمساءلة لفرضية زوال الحضور وديمومة المنجز، التي صاغها الماضي كوسيلة لمواجهة إقصاء ذاكرة زمنية ضيقة، لم تعد كذلك بفضل ما باتت تتيحه التكنولوجيا من قدرة على الاحتفاظ بالماضي والحاضر وربما المستقبل أيضًا. فإن كانت إلهام شاهين تمتلك في منجزها ما يجعلها جديرة بالتكريم في مهرجان بيروت لسينما المرأة، ففيه أيضًا ما يجعلها دون ذلك، وهو منجز لا يزاحم الموقف السلبي فيه، الإيجابي، وإنما يتجاوران، كثابت دائم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها