رفعة جادرجي: فهرس معماري

رفعة جادرجي المعماري العراقي المعروف عالمياً، كان قد وثّق إبداعاته الهندسية عبر الصورة الفوتوغرافية التي التقطها بنفسه، قبل مغادرته وطنه نهائياً، في ثمانينيات القرن الماضي، منصرفاً إلى الكتابة والتدريس الإهتمام بتنظيم أرشيفه المصور.

في كانون الأول 2016، وهب الجادرجي كامل أرشيفه إلى مركز التوثيق التابع لمؤسسة "الآغا خان"-نيويورك، بعد أن أودعه مؤقتاً في 2012 لدى "المؤسسة العربية للصورة" في بيروت.

من هذه المجموعة التي حملت الرقم "0294CH" في "المؤسسة العربية للصورة" اختار أكرم زعتري ومارك ماسيوتا نحو مئتي ورقة حملت كل منها صوراً لعمارات صممها الجادرجي، لتشكّل دليلاً مرئياً فريداً.



في مقدمة الكتاب، شرحٌ لـ"المؤسسة العربية للصورة" عن "الطبيعة المعقدة لمجالات التفكير والأنشطة التي تشكل ممارسات أرشيفية، وفهم هذه الأرشيفات كنظام علاقات دينامية. يتم تكوين الأرشيف من خلال تفاعلات متعددة بين الأشياء التي تجمع وبين تداخلات محسوسة ومادية... يكوّن الأرشيف بدءاً من قرار تشكيله، ثم عمليات حفظه ونقله...  إن جزءاً من ديناميات الأرشيف هو قدرته على أن يكون صدى، واندراجه في سياقات مختلفة من التعامل والتنشيط والإستقبال كبناء دائم التحول. كما وجوب الأخذ في الإعتبار قدرة الأرشيف على إغناء نواحي التفكير والإجراءات التي تتجاوز نظامه الخاص، من أجل طرح الأسئلة وعرض خصائصه وتفعيلها باستمرار... إن تفعيل هذه المجموعات الفوتوغرافية الخاصة تدخل في صلب إهتمام "المؤسسة العربية للصورة" لإستكشاف ديناميات مثل هذه المجموعات، وإغناء دلالاتها...".

وتطرقت المقدمة إلى وصف هذه المجموعة "التي تضم وثائق صوّرت وجُمعت بواسطة ممارسات متنوعة نفذّها رفعت جادرجي وفريقه: ممارسة فوتوغرافية وثّقت لحداثة معمارية عراقية في طور الإختفاء، وممارسة وثائقية ذات إمكانات إتنوغرافية وإنتروبولوجية. ممارسات إنطلقت من رغبة في أن تشهد وتوثق وتحمي ما كان قد أطلقه، منذ أوائل الثلاثينيات كامل جادرجي وواصله ابنه رفعة، من بعده.

كل مبنى في بغداد هو جزء من المجموعة، التي تهدف إلى نشر التصوير الإثنوغرافي والمدني والوثائق المعمارية التي أبدعها الجادرجي.

في نص آخر تناول أكرم زعتري موضوع الطي الذي يتشكل عن طريق ثني جزء من مادة مثل النسيج أو الورق: "الطية شكل من أشكال السرد. والطي عملية إنتقائية، تضحي بأجزاء لهدف ما، تخفي أجزاء وتسلط الضوء على أخرى...

"... يتكشف تكسّر الورق، يتفكك، يعيد المواد إلى شكلها الأصلي الذي يحوي تاريخها، ويحفظها من فقدان الذاكرة، يحفر تاريخ المادة نفسها في الطيات والتجاعيد... الطي هو ذاكرة المادة، و(المجلد) حاوية تضم عناصر مطوية مختلفة تم جمعها مع بعضها البعض لسبب ما... المجلد منتج ثانوي لممارسة أرشيفية، وهو في حد ذاته فرع من علم المكتبات...".

وكتب عن الكاتالوغ: "يعدد العناصر، يرتبها بعد تصنيفها، وينظّم عناصر تتفاعل بشكل أفضل ضمن ممارسة معينة..." وتحت عنوان "الصورة" يضيف زعتري: "تعرض كل صورة لنظرة إلى شيء ما أو مكان ما. تماما كما يحصر الطي فضاءً تلتقطه الصورة وتطويه محولة إياه إلى صورة مسطحة، تقابل أجزاء مشهد مع مشهد آخر، وتغطي أجزاء بالكامل. تخفي الصورة أجزاء من المشهد لتكشف عن أجزاء أخرى. تستنسخ الصورة بنسب مصغرة ما هو أكبر في الواقع، تقرّب مكاناً بعيداً عن الأنظار. تأثير الطية في مساحة مصورة هو دائم، بمعنى أن الأجزاء المخفية أو المظلمة في الصورة لا يمكن استرجاعها. في داخل الصورة تكمن العديد من التواريخ. لا تكفي صورة واحدة للإطلاع على مجمل موقف أو فضاء الصورة. يلتقط المهندسون المعماريون عدة صور لتوثيق الفضاء المكاني، والبناء، وموقعه. تسجل الصورة أبعاداً وزوايا وتصميمات داخلية وتفاصيل مختلفة. تمثل كل صورة جانباً من الفضاء، واجهة منه. كلما صورنا المزيد، تمكنا من تسجيل العديد من التفاصيل. وكلما اخترنا زوايا تصوير متعددة، نتمكن من وصف الأبعاد الثلاثية بشكل أفضل. يهدف التوثيق النهائي إلى عدم ترك مجال لإخفاء أي من أجزاء المشهد، كما الحال في الصور التفاعلية التي تغطي زاوية من 360 درجة".

"... طية الصورة تفصيل يكشف مجالاً لسرد مختلف عما في الصورة نفسها. هي ميزة يتم من خلالها البناء الأولي للصورة – صنعها-. تحمل تاريخ الصورة، وذاكرتها. وإذا كان الغرض من الصورة هو سرد أو وصف الفضاء المكاني، فمن الصواب القول أن طيات الصورة قد تحكي قصة ممارسة مصورها أو إمكانيات الوسيلة المستخدمة...".

الكتاب مرجع علمي أضاء على حقبة حداثية، وتناول الصورة الفوتوغرافية التي وثّقت إبداعات استثنائية، مدخلاً القارئ إلى ممارسات الأرشفة المرئية تصويراً وتصنيفاً.