الأحد 2018/12/16

آخر تحديث: 09:22 (بيروت)

باسل زايد يروي لـ"المدن"رحلته في العلاج الموسيقي

الأحد 2018/12/16
increase حجم الخط decrease

 

في زيارته الثانية إلى بيروت، قدم باسل زايد حفلة في بيروت ضمن فعاليات مهرجان "بيروت آند بيوند"، ضمت أعمالاً جديدة غير منشورة، تشترك باستخدامها الجاز والموسيقى العربية المطعمة بآلات كهربائية، مع مقاطع شعبية معروفة، كما قدم مثل كل حفلة له، أعمالاً قديمة كانت قد أطلقت شهرته سابقاً مثل "هذا ليل" و"شعرك ذهب" (2006).


يمكننا القول إن زايد هو أحد الفنانين الذين تضرروا بشكل أو بآخر من الثورات العربية، ليس فقط بسبب تزامن إصدار ألبومه الثاني "آدم" (2010) مع انطلاقتها، وإلغائه مجموعة حفلات في تونس ومصر وبلدان أخرى خلال تلك الفترة، بل أيضاً بسبب التغير الذي حصل في الوسط الفني الذي ينتمي إليه، وهو وسط مشترك بين بلدان عربية عدة، تحولت الأنظار فيه عن المواضيع المرتبطة بفلسطين، وارتفعت فيه أسهم أنماط "أكثر غضباً" إذا صحت العبارة من الأنماط التي يركز عليها زايد، كالهيب هوب والموسيقى الإلكترونية والشعبية، التي بدت لبعض الوقت أنها تعبر عن الأجيال الجديدة.


دفع الجيل الأقدم (اليساري غالباً) المعروف بالتزامه السياسي والإجتماعي، والنافذ اليوم في الأكاديميات والمعاهد الموسيقية، ثمن هذا التطور، لأنه أصبح جزءاً من قضية "درجة ثانية" ولأن "ثوريته" كانت قد أصبحت أكثر هدوءاً، مع اعتمادها على الآلات الموسيقية التقليدية (وغير الكهربائية) وتطعيمها بتيارات رومانسية – صوفية منذ أواخر التسعينات حتى اليوم.

ومع هذه التغيرات، قرر زايد الإبتعاد لفترة عن الساحة، مجرياً تعديلات على حياته الشخصية، أولها كان البدء بمزاولة مهنة "العلاج بالموسيقى" (أو "علم النفس الموسيقي" الذي يحاول إيجاد حلول لمشاكل نفسية أو سلوكية يعاني منها الأفراد، عن طريق إرتجال أعمال موسيقية خلال جلسات العلاج، تكون أليفة لهم من الناحية الشعورية، وبإمكانها مساعدتهم على التغلب على الأزمات التي يعانون منها) التي لعب دوراً في إدخالها إلى فلسطين عبر مركز الإرشاد الفلسطيني ومركز الأميرة بسمة في القدس.

 ثم قرر الإنتقال نهائياً للسكن في الولايات المتحدة مع عائلته، تاركاً وراءه الوسط الفني والإجتماعي الذي انطلق ضمنه، وهي خطوة كبيرة ومخاطرة لفنان ارتبطت أعماله دائماً بالتطورات السياسية والإجتماعية التي تحصل في فلسطين (ولطالما اتخذت موقعاً أساسياً ضمن الإنتاج الثقافي الفلسطيني بشكل عام)، وقد أتى سفره في وقت كان بالإمكان استغلاله، حيث أصبحت المهرجانات لاعباً أساسياً على الساحة العربية، وأمنت للفنانين مرئية لم تكن متاحة سابقاً، وفرصة للمشاركة في حفلات أكثر خارج بلادهم.

انتقل زايد إلى آرلغتون (بوسطن)، التي تقع بالقرب من معاهد موسيقية وجامعات معروفة (منها المعهد الإنكليزي، كلية بيركلي للموسيقى، وجامعاتا كامبريدج وهارفرد) ما سهل عليه التعاون مع موسيقيين أكاديميين في عدد من المشاريع من بينها "ثلاثي أين" العام الماضي، مع نسيم الأطرش (شيلو)، وليث صديق (كمان)، وهما متخرجان من معهد بيركلي للموسيقى، وكان الثلاثي قد أطلق ألبوماً في أيلول الماضي، من كتابة زايد وتوزيعه (شارك فيه مغنياً وعازفاً على العود والبزق)، يحمل طابعاً احترافياً (أقرب للـChamber music).

من ناحية أخرى، دخل زايد وسطاً جديداً في الولايات المتحدة، يبدو الإنتاج فيه متدنياً بالمقارنة ببعض البلدان الأوروبية على سبيل المثال. من سلبيات هذا الوسط تعامل الجمهور فيه، مع الموسيقى العربية بطريقة إكزوتيكية غالباً، حيث يركز وفق زايد على الـTimbre (صوت الآلة) في أحسن الأحوال، من دون أن يدخل بأي تفصيل متعلق باللحن والمقام والتركيبة الموسيقية، لكن إيجابيته الأهم تبقى في قابليته على استقبال أنماط وثقافات جديدة، وميل دائم لوضع الأعمال الغريبة عنه ضمن أنماطها الأصلية.

في النهاية يبدو أن انتقال زايد إلى الولايات المتحدة كان إيجابياً عليه، مع تزايد إنتاجه بالمقارنة مع السنوات السابقة، حيث يعمل اليوم على مشاريع عديدة بشكل متزامن، منها أوركسترا للعود، مشروع مرتبط بالموسيقى الإلكترونية، وألبوم أقرب للموسيقى الشعبية.  يبرر زايد لـ"المدن" نشاطه المتزايد: "في القدس كنت أعمل فقط ما بين الحروب. يحدث شيء في غزة، فلا أعود قادراً على تقديم أي حفل أو عمل فني جديد. أنت تعيش في المركز، حيث تحمل مسؤولية فلسطين بأكملها، وحتى مسؤولية العالم العربي. عندما يحدث شيء في مصر أو سوريا تتفاعل معه كأنه في بلدك، وتصبح أوضاع العالم العربي السياسية والأمنية منعكسة بشكل مباشر على أوضاعك النفسية وأعمالك الفنية. طبعاً لا يعني وجودي في الخارج أني منقطع عن الأوضاع السياسية، لكن على الأقل صارت حساباتي مختلفة قليلاً، فليس لدي إلتزامات إجتماعية مثل السابق، ورغم أني بعيد، يبقى لدي الحق في التعبير، من دون أن أكون  ملزماً بتمثيل مجموعة معينة أو شارع معين. أعتقد أن السفر اكتسب معنى مضاعفاً بالنسبة اليّ، لأني ابن جيل ولد وعيه الفني خلال الإنتفاضات، ولديه رقابة ذاتية كبيرة، محكومة بمعايير التطبيع والإلتزام الفني. حتى في العرس لم أكن أؤدي سوى أعمال سياسية. لكن اليوم، أجد نفسي في وضع مختلف. أنا أكثر أنفتاحاً على الثقافات التي أختلط بها يومياً (بفضل ممارسته العلاج بالموسيقى الذي يضعه على احتكاك مع الأنماط التي تسمعها الأجيال الصغيرة، وكل فئات المجتمع) وأجد أني أكثر جهوزية لاستقبال واستيعاب أي جديد، ما فتح مجالات التعبير بالنسبة اليّ بشكل أكبر من السابق".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها