الثلاثاء 2018/11/06

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

القاتل مايكل مايرز

الثلاثاء 2018/11/06
القاتل مايكل مايرز
نجح مايكل مايرز في الدفاع عن القتل إلى درجة تعميمه
increase حجم الخط decrease
من عام إلى آخر، يعود القاتل مايكل مايرز في فيلم جديد عنه. ومع أن عوداته عموماً، متشابهة، إلا أنها، كل مرة، تبدو محافظة على وطأتها. فهذا القاتل، الذي ولد كشخصية سينمائية في العام 1978 مع فيلم "ليلة الأقنعة" للأسطورة جون كاربنتر، ما زال، وبعد 40 عاماً، مع فيلم "هالوين" لدايفيد غوردن غرين، على هيئته التي تداهم مشاهديها لتحدث فيهم الخوف ذاته، كما في كل إطلالة لها.

ثمة سحر تتسم به هيئة القاتل. سحر جمودها المجسد في وجهه المقنّع بملامح مَن يثبّت النية ويعقدها على أمر، فيذهب الى تنفيذه بنفي أي شيء قد يقابله في الطريق. مايرز قاتل وطيد، وهذه الصفة تفسّر عوداته الدائمة باعتبارها شكل إصراره، وباعتبارها برهاناً على كونه لا يتراجع البتة، حتى لو تهشم، وحتى لو صار أعمى، وحتى لو فقد قلبه، وحتى لو مات. فكل هذا لا يقضي عليه، بل يزيده رسوخاً، مثلما يهيئ لظهوره من جديد. والصفة اياها تؤلف قوام اختلافه عن باقي القتلة في سينما الرعب. فهو مثلاً، ليس قاتل هازل مثل فريدي، ووليس مغفلاً مثل جايسون، وليس أهوج مثل ليثرفايس. وعندما يحضر معهم، يجعلهم يبدون يافعين، محاولين الاقتداء به، أي أن يكونوا وطيدين.

إلا أن رسوخ مايرز ليس صفة مُعَدة لتقليدها، بقدر ما هي علامة على تغير ممارسة القاتل، أي تغير القتل. فحين يصير القتل في حاجة إلى ذلك الرسوخ لكي يحصل، فهذا يعني أنه مهدد بزواله. وما مايرز سوى منقذه، الذي يفعل هذا بطريقة عارية. عندما قال صانع مايرز، المخرج كاربنتر، انه أراد قاتله شخصاً لا يعرف الخير ولا يعرف الشر، كان يتحدث عن ولادة نوع آخر من القتلة. أولئك الذين يقتلون دفاعاً عن القتل.
 
وكأن القتل ذاته كان في مرحلة حرجة، مفادها في السبعينات، أنه لم يعد في مقدوره أن يكون إحياءً لسلطة الموت التي سقطت بسبب تبدل كل ممنوع إلى مسموح. لم يعد في مقدوره أن يكون كذلك قبل أن يعمد الى تأهيل نفسه. أولاً، بفجاجة آلية، بفجاجة الميكانيكي الذي ينزع قطعاً معطلة من محلها، والذي يرتدي مايرز ثيابه. ومن ناحية ثانية، بتحوله إلى فعل استهلاكي، بحيث أن مايرز، ومن أجل تحقيق الفجاجة، يتخلى أحياناً عن وسيلة القتل ليصل إلى غرضه مباشرة. فما يبغيه هو الضحية مقتولة، ولا حاجة إلى المرور باستخدام السكين لفعل ذلك.

من هنا، مايرز هو الذي عمد إلى تحديث القتل، ومدّه بميكانكيته أيضاً. لكن هذا كله، ومن فيلم إلى فيلم، لا يبلغ نهايته سوى كي يعود إلى بدايته. ومعه، يعود القاتل الذي، وفي عودته الأخيرة، بدا أنه لا يحافظ على معنى القتل لكي يصون سلطة الموت، بل إنه بذاته المعنى والسلطة، بحيث انه نقلهما إلى طبيبه وإلى أخته لوري ستور (جايمي لي كرتيس).

فالأول، خلال "هالوين"، وفي أثناء بحثه عن مايرز، يصير قاتلاً مثله. أما الثانية، وغير أنها مهجوسة بمايرز، بملاحقته لها، وباستعدادها لمواجهته أينما كان، ففي ملصق "هالوين" تبرز بملامحه، بتجاعيده، بنظراته، كما لو أنها تصيره، وكما لو أن وجهها هو وجهه الذي يخفيه قناعه. وعلى هذا المنوال، وبعد أربعين عاماً، نجح مايكل مايرز في الدفاع عن القتل إلى درجة تعميمه، وتحويل كل الشخصيات الرئيسة في الفيلم إلى قتلة، وقد يصح القول في هذا السياق، وبفكاهة، أنه دمقرط القتل، أنه أتاحه للجميع في قصته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها