الإثنين 2018/11/05

آخر تحديث: 11:40 (بيروت)

الأنبا صموئيل الذي واجه الروم.. بعَين واحدة

الإثنين 2018/11/05
increase حجم الخط decrease
في أيار 2017، تعرضت حافلة كانت متوجهة إلى دير الأنبا صموئيل في محافظة المنيا لإطلاق نار أسفر عن سقوط ثمانية وعشرين قتيلا وستة عشرين جريحاً. وفي عصر يوم الجمعة الماضي، تكرر الهجوم على حافلة أخرى كانت تسلك الطريق نفسه، وأدى إلى سقوط سبعة قتلى وثلاثة وعشرين جريحاً. 

في موسوعة "معجم البلدان"، ذكر ياقوت الحموي دير الأنبا صموئيل باسم "دير القلمون"، وقال في تعريفه به: "بأرض مصر، ثم بأرض الفيوم، مشهور عندهم معروف". ويشهد هذا التعريف المختصر على شهرة هذا الدير في نهاية العصر العباسي. وفي "المواعظ والاعتبار"، ذكر المقريزي هذا الدير في باب "ديارات النصارى"، وكتب نبذة عنه تلقي الضوء التي المكانة التي حظي بها في العصر المملوكي.

قال المقريزي في هذه النبذة: "هذا الدير في برّية تحت عقبة القلمون، يتوصل المسافر منها إلى الفيوم، يُقال لها عقبة الغريق، وبُني هذا الدير على اسم صمويل الراهب، وكان في زمن الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الدير نخل كثير يُعمل من تمره العجوة، وفيه أيضاً شجر اللبخ، ولا يوجد إلا فيه، وثمره بقدر الليمون، طعمه حلو في مثل طعم الرامخ (نوع من النخل)، ولنواه عدّة منافع، وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: ولا ينبت اللبخ إلاّ بأنصنا، وهو عود تنشر منه ألواح السفن، وربما أرعف ناشرها، ويُباع اللوح منها بخمسين ديناراً ونحوها، وإذا شدّ لوح منها بلوح وطرحاً في الماء سنة التأما وصارا لوحاً واحداً. وفي هذا الدير قصران مبنيان بالحجارة، وهما عاليان كبيران لبياضهما إشراق، وفيه أيضاً عين ماء تجري، وفي خارجه عين أخرى، وبهذا الوادي عدّة معابد قديمة، وثم إلى وادٍ يُقال له الأميلح فيه عين ماء تجري ونخيل مثمرة تأخذ العرب ثمرها، وخارج هذا الدير ملاّحة يبيع رَهبان الدير ملحها، فيعم تلك الجهات".

قبل المقريزي بزمن طويل، في مطلع القرن الثالث عشر، تحدث المؤرخ القبطي ابو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود عن دير القلمون في كتاب وضعه باللغة العربية تحت عنوان "كنائس وأديرة مصر"، وقال ان "الأنبا صموئيل رئيس هذا الدير ومدبره"، واستفاض في وصف ثرواته الطبيعية، وأضاف: "وهذا الدير أيضا بحصن دائر عليه، وفيه بستان كبير فيه نخيل وزيتون وبقولات، وفيه أربعة جواسق، ويشتمل على اثنا عشر بيعة، وبأعلاه صومعة"، "وفيه عين ماء مالحة تجري ليلا ونهارا، ويخرج منها إلى بركة متسعة"، "ويحلو الماء في هذه البركة قليلا في الشتاء، والرهبان يشربون منها على ممر الزمان".

كما يقول المقريزي، "بُني هذا الدير على اسم صمويل الراهب"، أي "الأنبا صموئيل، رئيسه ومدبره"، كما أشار أبو المكارم من قبله، والأنبا صموئيل قديس قبطي محلّي وُلد في نهاية القرن السادس، وعاش في النصف الأول من القرن السابع، في الحقبة التي اشتدت فيها الخلافات العقائدية المتصلة بشخص المسيح وطبيعته، وأدّت إلى انقسام الكنيسة في الشرق. أخذ هذا الصراع طابعا دموياً عنيفاً، وتمدد في أنحاء مصر حيث تنازع على حكم الكنيسة بطريركين. اصطفت الغالبية العظمى من المصريين خلف البطريرك المناوئ للروم، وكان الأنبا صموئيل واحداً من الذين واجهوا سلطة الروم بصلابة. 
في الأيقونات القبطية، يظهر صموئيل المعترف بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، وتختزل هذه الصورة قصة مواجهة الراهب لسلطة الروم كما تنقلها السيرة المعتمدة في الكنيسة القبطية.

حاولت السلطة البيزنطية بكل وسائلها إخضاع الأقباط لقبول قراراتها، فتصدّى لها صموئيل، وتعرّض لضرب مبرح بالسياط أصاب إحدى عينيه فقُلِعت. بعد هذه الحادثة، مضى الراهب إلى الجبل المسمّى القلمون، وسكن هناك، واجتمع حوله العديد من التلاميذ، وكانت له المساهمة الكبرى في ازدهار الحياة الرهبانية في الدير الكائن في هذا الجبل.

تواصلت الحياة الرهبانية في هذا الدير حتى القرن الخامس عشر، وسعت الكنيسة إلى أحيائها في القرون التالية، ونجحت في تحقيق ذلك في نهاية القرن التاسع عشر حيث أعيد بناء الدير، وابتدأت الحياة تدب فيه من جديد، وهو اليوم هو الدير الوحيد الباقي من مجموعة الأديرة العديدة التي كانت بمنطقة الفيوم، والتي بلغ عددها قديما خمسة وثلاثين ديرًا، ويُعرف بدير الأنبا صموئيل بجبل القلمون، وهو على مسافة 55 كم شمال غرب مدينة مغاغة، وقد تمّ في السنوات الأخيرة من القرن الماضي إعداد الطريق لسير العربات العادية والناقلات حتى بابه.

يضم الدير، كنيسة أثرية تقع في الدور الأرضي للحصن القديم، وهي مؤلفة من حجرات صغيرة جرى تعديل بنائها على شكل صالة مدخل وصحن صغير وهيكل مستطيل. إلى جانب هذه الكنيسة التي تشكّل أقدم جزء في الدير، شُيدت في القرن التاسع عشر كنيسة على اسم العذراء، وكنيسة أخرى على اسم الأنبا صموئيل. في أركان الدير، نقع على بقايا أعمدة وتيجان الأثرية. ونجد في خارج الدير أطلال أثرية أخرى تعود إلى عهد الرهبانية الأولى في المنطقة. 
في الجهة الشرقية، على مسافة 5 كلم من الدير، قرب قمة جبل القلمون، تقع المغارة المعروفة باسم الأنبا صموئيل المعترف، وتضمّ حوضا تتجمع فيه مياه الأمطار. بحسب الرواية الشائعة، كان الأنبا صموئيل في أواخر حياته يقضي معظم أوقاته في هذه المغارة التي يٌصعب الوصول إليها بسهولة، وكان يذهب للدير على فترات لتفقد أحوال الرهبان.

على مدار العام، يتردّد على دير الأنبا صموئيل زوّار من جميع محافظات مصر بغرض الصلاة والتبارك، وذلك خلال يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع، من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً. وتعتبر مغارة القديس، من مناطق الزيارة المهمة في الدير، ومدخلها من الجهة الغربية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها