الأحد 2018/11/18

آخر تحديث: 19:20 (بيروت)

رحيل زياد أبو عبسي... بين "أبو الزلف" وشكسبير

الأحد 2018/11/18
increase حجم الخط decrease
مضت سنوات، كنت ألتقي الفنان زياد أبو عبسي بشكل دوري أو أسبوعي، "ندردش" بشكل عابر عند مدخل إحدى المؤسسات التي كنت أعمل فيها... كان أبو عبسي يركن سيارته في المرآب، يمشي ببطء بسبب ثقل جسمه، يعبر بين السيارات التي تحتل الرصيف، أتأمل لحيته الكثة، وشعره ونظارته ونظرته، أحسبه، أقرب إلى التصوّف والعرفان منه إلى المسرح، انسجم مع دماثته وهدوئه ورصانته، هو عاشق شكسبير وكاره الرياضيات، على عكس الكثيرين لا ينقل شيئاً من طقوس المسرحي واستعراضاته إلى الشارع، كأنه يفصل بين شخصه الحياتي وشخصه المسرحي، يحتقر الذين يتعاطون مع الأدوار المسرحية باستخفاف... يأتي مشرقاً يسألني "كيف أحوال الشباب، مين في هون؟" قبل أن يتحدث بأحوال الثقافة والبلد ويتابع مشواره للقاء الأصدقاء والصحب، وأحيانا يجلس في الكفيتيريا مع "الرفاق" من دون مواعيد مسبقة.

وفي المرة الأخيرة التقيت أبو عبسي بعد مغادرتي عملي، كان غاضباً ومشمئزاً من الجامعة التي كان يدرّس فيها. أخبرني، أنا القليل الاجتماعيات، أنه مرض وبقي لأسابيع في المستشفى، وفي هذه المدة لجأت إدارة الجامعة "الرصينة" التي يتباهى الطلاب أنهم تخرجوا فيها إلى فصله من العمل. لم تقف الجامعة إلى جانب استاذ من روادها، لم ترحمه، غلب على سلوكها المنطق الرأسمالي الوحشي. كان لهذا أثره على نفسية أبو عبسي ومسار عمله، وهذا جعلني أفكر ملياً بأحوال هذا البلد، إذا كانوا يتخلون عن استاذ جامعي بهذه السهولة، فكيف الموظف العادي؟ لم أقل كلمة، فكرت ملياً بالبربرية الإدارية المستوحاة مما كنا نسميه "الرأسمالية المتوحشة"، فكرت كثيراً ولا كلام، في وقت كنت أبحث عن مجرد عمل...

لم أعد التقي "الرفيق زياد" بحكم ظروف عملي وسكني ومزاجيتي. وفي المرة الأخيرة التي تابعته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان غاضباً، كتب يومها: لم تعد تربطني أي علاقة بالمدعو زياد الرحباني منذ سنوات. لم أسأل عن أسباب التعليق الغاضب، وهو كُتِبَ في فترة "خندقة" الرحباني في المواقف "المنارية"، أو التي قالها على شاشة تلفزيون المنار وتصب في خانة التقارب والتأييد لحزب الله والنظام السوري الأسدي. في الواقع لم أكن أعرف ان كان "ابو عبسي" مسيساً أو له ميول سياسية، لكن كنت اسأل لماذا تحصل الخلافات النارية بين فنانين بينهم "عِشرة عمرٍ" وبعض الأعمال المشتركة؟ قبل القطيعة بين الزيادين، حصلت القطيعة بين زياد الرحباني وسامي حواط واحمد قعبور، لاسباب مزاجية لا ضرورة للعودة إليها الآن.

طوال الفترة التي كنت التقي زياد أبو عبسي، برغم معرفتي وسماعي مسرحيات زياد الرحباني، والتركيز على شخصياته، لم اسأل أبو عبسي يوما عن دور "أبو الزلف"، كنت أعرف أنه لمع في هذا الدور، لكن بسبب رصانته أراه بمنأى عن هذه الشخصية. والآن مع رحيله، كأن بعض الكتّاب يعرف "أبو الزلف" أكثر من زياد أبو عبسي، وهذا فيه الكثير من الإجحاف، وإن كانت الشخصية ساهمت في شهرة الممثل. 

عام2017 أصدر أبو عبسي كتاباً بعنوان "صفحات على جدار الزمن/ وجدانيات"(دار نلسن) واستهل الترويج الفايسبوكي له بعبارة "إن الحياة لعبة خاسرة"، وهو كذلك.


 (*) رسّخ المسرحي زياد أبو عبسي حضوره بشخصيات ما زالت مطبوعة في تاريخ المسرح اللبناني. وهو ولد في صيدا في العام 1956 ودرس المحاسبة والإدارة في الجامعة "اللبنانية – الأميركية".
كانت أولى تجاربه التمثيلية على مسرح الجامعة عام 1974 من خلال مشاركته في مسرحية "فنيانوس بالضيعة" للكاتبة الراحلة روز غريّب. شكّل العام 1977 محطة مفصلية في حياة أبو عبسي بعد لقائه زياد الرحباني الذي أثمر تعاوناً طويلاً بينهما. هكذا، أطلّ في مسرحياته وكشف عن موهبته الفنية في جميع أعماله المسرحية وأهمها "بالنسبة لبكرا، شو؟" (1978) و"فيلم أميركي طويل" (1980) و"شي فاشل" (1983) و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993) و"لولا فسحة الأمل“ (1994).
حبه للمسرح والتمثيل دفعه إلى الالتحاق بقسم المسرح في "الجامعة اللبنانية – الأميركية" ليخوض من بعدها تجربته الكتابية الأولى في مسرحية "الشمع" (1979). كذلك شارك في أعمال مسرحية وتلفزيونية لمخرجين آخرين أغنت مسيرته، أبرزها "جبران والقاعدة" و"المفتاح" و"سقوط عويس آغا" و"سنعود بعد قليل" و"عشرة عبيد زغار"، و"بيت الدمية"، بالإضافة إلى تقديم مسرحية "رجع نعيم راح" (1991) من تأليفه وإخراجه...

في عام 1992، حصل أبو عبسي على منحة بحث متقدم من مؤسسة Fullbright، سافر على أثرها إلى الولايات المتحدة مجدداً ليتعمّق أكثر في المسرح الشكسبيري. ومنذ عودته إلى بيروت تفرّغ لتقديم شكسبير على مسرح الجامعة: "كما يحلو لك"، و"الليلة الثانية عشرة"، و"زوجات ويندسور الفرحات"، و"ريتشارد الثالث" و"ماكبث"...

في العام 2011 شارك أبو عبسي في فيلم "هلق لوين؟" للمخرجة نادين لبكي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها