الثلاثاء 2018/11/13

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

بيع مكتبة الرئيس

الثلاثاء 2018/11/13
بيع مكتبة الرئيس
كان ميتران محباً للآداب، الفرنسية والإنكليزية
increase حجم الخط decrease
عرض فضاء "ميزان بيازا" للمزادات العلنية في باريس، جزءاً من المكتبة الشخصية للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، للبيع، وقد ضم هذا الجزء ألف كتاب أدبي جرى تأليفها خلال القرن العشرين. احتفظ ابن ميتران، فيليب، بذلك الجزء الذي ورثه عنه، ومعه، احتفظ ببطاقات حبّرها أبوه بملاحظات رافقت قراءته لكتبه التي ارتبط بصداقات مع بعض كتّابها، أو أنه كان من الشغوفين بأعمالهم.

فمن المعلوم أن ميتران كان محباً للآداب، الفرنسية والإنكليزية، عدا عن كونه قارئاً نهماً. الأمر الذي تتناقله حكايات كثيرة حوله. فكان، وفي أيام عديدة من الأسبوع، يترك مكتبه في الإليزيه، بعد الظهر، ويمضي إلى شراء الكتب. وذات مرة، كان مؤرخ الفن، تييري سافاتييه، يلقي نظرة على واجهة مكتبة غارنييه-ارنول، الواقعة في شارع السين، حين رأى شخصاً بقربه يحذو حذوه قبل أن يدخل، وعندها انتبه سافاتييه الى أن الشخص هذا هو رئيس الجمهورية.

ورغم سردية الكتبوفيليا، التي أحاطت ميتران، لم تحدد أسعار الكتب في المزاد على أساس اقتناء الرئيس لها، بل على أساس ميزة كل منها. وبالتالي، لم تستمد قيمتها من كونها كتب الرئيس، لكن من محددات أخرى. أولاً، تاريخ طبعاتها الأصلية. وثانياً، الإهداءات التي كتبها أصحابها في صفحاتها الأولى، متوجهين إلى ميتران، مثل ألبير كامو أو مورياك. وبالانطلاق من هذين المعيارين، تراوحت الأسعار بين ألفَي، و15 ألف يورو، ثمناً للكتاب، مع الإشارة إلى أن ميتران كان يتابع أسعار كتبه جيداً، فأضاف يضيف إليها، عدا عن بطاقات قراءته، بطاقات تغيّر ثمنها من مكتبة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر.

ربما يكون بيع كتب ميتران على هذا النحو، اي بنهج الحفاظ على قيمتها العائدة إلى الكتب نفسها أكثر من قيمتها ربطاً بمَن اقتناها، بمثابة إشارة إلى صلة جيدة بين الكتب والزعيم السياسي. بحيث أنها تبقيه قارئاً، كما تُبقي تلك الكتب نصوصاً قائمة بذاتها. طبعاً، هذه الصلة تغيرت مع الوقت. فمن الممكن أن يروّج كاتب لزعيم ما، لكي يروّج له الزعيم بدوره، وفي النتيجة، يتبادل الاثنان انتشارهما. هذا ما يحصل مع أي كاتب مشهور يعلن دعمه لزعيم سياسي خلال الانتخابات، أو غير مشهور يزور الزعيم اياه ويلتقط صورة معه وينشرها كدليل على "وصوله" إلى موقعه. وهذا ما يحصل حين تُردد وكالات الإعلان لتسويق كتاب ما، أن هذا الزعيم أو ذاك قد قرأه، تماماً كما جرى عندما أعلن نيكولا ساركوزي ذات مرة انه يحب إحدى روايات ميشال ويلبيك.

فليست الصلة بين الكاتب والزعيم السياسي، في هذا السياق، صلة قارئ بكتاب خلفه كاتب، بل هي صلة اثنين يريدان الانتشار. والكتاب حجته، التي وكلما كانت محمية به، "انظروا كم هذا الكتاب منتشر"، تغدو ممحية به. فيسرع المستهلك إلى شراء الكتاب إياه لأنه منتشر، وربما بلا أن يقرأه حتى. وفي حال قرأه، تكون قراءته له مجرد أداة لتثبيت قيمته الانتشارية، "نعم، انه رائع".

من هنا، من تغير الصلة، يتبدل الكتاب، ولا يعود قائماً بنصِّه أو بقراءته، لكن بكاتبه الذي لا يحضر سوى بحضوره في جوار الزعيم. ونتيجة ذلك، يغدو الكتاب مثمَّناً بثمن كاتبه الذي يعينه ذيوعه. تماماً كما تغدو السياسة مثمَّنة بثمن زعيمها الذي يعينه ذيوعه أيضاً. فموت الكتاب من موت السياسة. ولهذا، وللحيلولة دون دفنهما، ثمة محاولات دائمة إلى خلقهما من جديد.

من المتاح الآن لمَن اشترى مكتبة ميتران، أن يطّلع على العلاقة بين الرئيس الراحل والكتب، وأن يتتبع مسار قراءته، وأن يعرف من ملاحظاته كيف كان يقرأ وما الذي كان يثير انتباهه. تالياً، من المتاح للمشتري، إذا كان قارئاً، أن يكون على بينة مما هو فعلياً حميمي في عيش ميتران، مما هو سبيل من سبل صناعة شخصيته. لكن، وبالفعل ذاته، في مقدوره أن يجد في تلك الكتب وثيقة عن صلة ماضية بين الكتب والسياسيين، صلة تغيرت إلى درجة الزوال.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها