الإثنين 2018/11/12

آخر تحديث: 21:34 (بيروت)

وداعاً نبيل الأظن

الإثنين 2018/11/12
وداعاً نبيل الأظن
increase حجم الخط decrease
في اتّصالنا الهاتفي الأخير، قال: "لم يعد في استطاعتي أن أتحمّل". 
قبل أيّام قليلة، كان لا يزال يتحدّث عن مسرحيّة يوليوس قيصر لشكسبير، المسرحيّة التي كان يُزمع على إخراجها وتقديمها في شهر شباط المقبل مع مجموعة من الطّلبة الجامعيّين في بيروت.

كان يبحث عن وميض أمل في نظرات الطبيب الذي يُعاينه، كلّ صباح، في المستشفى. وعندما يفقد أمله ويخفت صوته، كنتُ أحاول، بشتّى الطّرق، أن أجعله يصدّق أنّ الطريق لم ينتهِ بعد. بشتّى الطرق كنتُ أحاول، وأنا غير مُصَدِّق. بل كنتُ، في قرارة نفسي، أتمنّى له الموت، حتى لا أراه يتعذّب كما كان يتعذّب، وحتّى يرتاح من الأوجاع، النفسيّة قبل الجسديّة، ومن تَرقُّب لحظة الموت بعينين مفتوحتين، هذا الترقّب الذي هو أبشع من الموت، وهو الذي دفع إلى الصرخة المدوّية التي أطلقتها زوجة أيّوب: "العَنهُ ومُت"؟

في الأسابيع الماضية، قال لي: "صرتُ أخاف أن أكون وحدي في البيت". وهل هناك أفدح من خوف الإنسان من نفسه ومن جسده؟

وما الذي يبقى للعابر الأعزل حين تنقضّ عليه الطبيعة كاشفةً عن ساديّتها المُطلقة، كأن لا تكفي حتميّة الموت، فترمي العابر المُسالم تارةً بالحاقدين القَتَلة، وتارةً أخرى بالخلايا السرطانيّة، هذا الموت البطيء، المُذِلّ والجبان.

في الشهر الماضي، لم يعد يستطيع أن يحرّك يديه. أن يكتب أو أن يفتح كتابًا ويقرأ. 
حين يصبح ثمن الحياة أغلى من الحياة نفسها فأيّ معنى يبقى، وأيّ جدوى؟ في هذه الحالة، يصبح الموت هو الخلاص وهو النزول عن الصليب.

في يومه الأخير، كان يريد أن يقول شيئًا، أن يتلفّظ برسالة واحدة أخيرة، لكنّها لم تكن لتخرج من بين شفتيه، وكان يحرّكهما عبثًا، كأنّه يَلوك الكلمات ومعها يَلوك مرارة العالم.

وداعًا يا نبيل.


(*) مدونة كتبها الشاعر والكاتب عيسى مخلوف في صفحته الفايسبوكية، غداة وفاة المخرج المسرحي اللبناني نبيل الأظن
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها