السبت 2018/10/06

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

مقاربة المدينة من إمتداداتها: لوس انجليس نموذجاً

السبت 2018/10/06
increase حجم الخط decrease
منذ ولادتها يتيمة، لعدم إعتراف الفنون الأخرى بشرعيتها، إعتادت الفوتوغرافيا حياة التشرد في المدن، ولا تزال، حتى يومنا هذا وحيدة من بين الفنون، قادرة على رصد تحولات المدينة والقبض على نسيجها الإجتماعي والثقافي.

لذلك، التقت أماندا مادوكس، أمينة متحف "غيتي إيماج"- لوس أنجليس، بمصورَين، هما جون ديفولا(1949) ابن لوس أنجليس، ومارك رودل(بنسلفانيا 1954)، المهاجر إليها. فبعد أن صورا المدينة على مدى عقود، عبرا إلى إمتداداتها الصحراوية والجبلية.

"هي ليست مدينة، بل عملاق مترامي الأطراف، أو بالأحرى أستوديو دائم" كتبت إيف بابيتز.  
برأي مادوكس، أثبت ديفولا ورويدل وجهة نظر بابيتز. ديفولا الذي ولد ونشأ في ناحية "ريفر سايد" استخدم فضاءات محيطه، من المناطق المهجورة عند الشواطئ وأطراف الصحراء.  يتدخّل في المشهد قبل إلتقاطه يضيف إليه ألواناً وتجهيزات. إنها عملية تؤكد حضوره وتشكّل مفهومه للمكان. أفسحت له هذه المدينة العملاقة إمكانات لصوره لا حدود لها.  أقحمه جنوبها في صلب المشهد التقليدي الغربي  المليء بالأنشطة البشرية والأحداث التاريخية التي تركت آثارها على البيئة.  تناول التوتر القائم بين الطبيعة والثقافة، الظاهر في المدينة وضواحيها.
قالت مادوكس: "نظراتهما مميزة، جذبتهم المدينة وإمتداداتها الواصلة حتى الصحراء. برعا في عبور المدينة".



إعتبر ديفولا مدينته موضوعاً غير مألوف. "فيها تنوع بشري وعمراني، ولامبالاة بأي نوع من المفردات المعمارية أو أدنى معايير الإنسجام. لكن تبدو هذه المظاهر متجانسة، تجمع هويات معمارية إيطالية وفرنسية، إلى خط دقيق من مفردات عالم ديزني والعمارة التقليدية ممزوجين بالحداثة، لكن من دون إكتمال أو تماسك".

شعر ديفولا بدينامية المدينة. "العيش فيها مختلف. كل شيء آني زائل، في حالة من التبدل المستمر. التعاطي مع محيطها الصحراوي والجبلي مذهل. يصعب عليّ تصور بيئة أكثر غنى من حيث الإحتمالات.  توجد في صحرائها عناصر بصرية كلاسيكية مثل خط الأفق، والأشجار الملعونة التي تحجب رؤيته، والضوء المذهل. الناس الذين نلتقيهم هناك، إما أنهم بقوا فيها طوعاً، أو أجبروا على ذلك بعد أن بلغوا الهاوية. منازلها القليلة تبدو كأنها متناهية في الصغر، مثيرة للإهتمام، تشبه بيوت لعبة "المونوبولي". إنها تتحوّل إلى رموز بدائية عن فكرة السكن.  اختيرت لأنها أرخص الأمكنة للعيش".

بعد أن تناول ديفولا طبيعة المدينة كواقع ثقافي، خرج إلى الصحراء، حيث انشغل بالأفكار الوجودية. يتحدث عن فعل التصوير كحركة مادية: "نتحرّك وسط الطبيعة بتركيز بصري أشبه بالإدمان. الأمر ليس مجرّد نزهة!".

عن طلاء أجزاء من المشهد قبل تصويره يشرح: "أضيف اللون لإحياء المكان، كفعل ارتجال على علاقة مع لغة الصورة، لا بهدف جعل المكان مهماً، بل لتحويل الصورة إلى شيء مثير".
يقول ديفولا الذي هجر الأستوديو، منذ 1973، بسبب الركود الإقتصادي: "بدأت تصوير البيوت المهجورة في محيط المدينة، لأنه لم يكن لدي مالاً لتملك أستوديو. لوس أنجليس مركز للثقافة البصرية المعاصرة. هي نوع الأرضية الخيالية لكل مفاهيم المكان. العيش فيها هو تجربة مباشرة، تتيح مقاربة تكونها الثقافي".

أما مارك رويدل فقد نشأ على فكرة المدينة كمكان موعود. اعتبر أن صحراءها معقّدة، تمثّل الكثير من المعاني: "كل ما فيها غير قابل للنمو، حتى الضوء يمنع الرؤية الصافية، غير أن ذلك يغريني، عندما أصوّر بعد الغروب وقبل حلول الظلام، تلك لحظات تمثّل جمالية مينيمالية. تشبه منازل الصحراء المهجورة أجساداً هزيلة. ربما هي إمتداد سلبي للمدينة، وعلى ارتباط بمسألة "الحدود" في الثقافة الأميركية. إنها إيديولوجية التوسع واستعمار الغرب الأميركي". برأيه "الأستوديو ليس مكاناً للإبداع". صوّر الطريق ليعبر "الحدود" الطبيعية والإقتصادية والثقافية. نسيج لوس أنجليس البصري علمه الكثير.

لدى سؤاله عن أمكنة صور كتابه "ربيع لوس أنجليس" الملتقطة على إمتداد أرياف المدينة لا وسطها، يجيب رويدل: "إنها لوس أنجليس!". وتضيف أماندا مادوكس: "لأن هناك طرقاً مختلفة لتعريف المدينة: هناك مدينة، هناك ريف، وهناك ثقافة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها