الخميس 2018/10/25

آخر تحديث: 18:59 (بيروت)

شانت أفيديسيان.. أيقونة أخيرة للنيل

الخميس 2018/10/25
increase حجم الخط decrease
بالأمس، غيب الموت، التشكيلي المصري من أصل أرمني، شانت أفيديسيان.
وكحل رومانسي، لتأطير مشروعه الفني الأبرز "أيقونات النيل"، ستظهر عناوين، مثل: "أفيديسيان ينضم إلى أيقوناته". ورغم ابتذال التركيب، فالكلمات جديرة بالمهمة، وهذه النبرة في الكتابة، غير المكترثة كما يوحي ظاهرها، بصياغة نبأ رحيل أحد الفنانين المؤثرين، تحول العنوان -الذي استكان إلى اختزاله كقناعة متفق عليها- إلى سؤال يناقش جدارة "أفيديسيان" ذاته في أن يصير أيقونة، وفق مفهومه الذي أسس عليه مشروعه الشهير.

عرف شانت أفيديسيان (1951 -2018) بمشروع "أيقونات النيل"، الذي يشتمل على 120 لوحة لمشاهير المصريين في القرن العشرين، استغرق نحو 19 عامًا لإنجازها، في الفترة من عام 1991 إلى 2010، بحسب كاتلوغ غاليري سابرينا عمراني في مدريد، وعلى الرغم من استحواذ شخصيات مثل أم كلثوم وجمال عبد الناصر والملك فاروق على غالبية الصور، فإن المشروع يتسع ليضم صورًا لأفراد حازت إنجازاتهم على إعجاب المصريين، وشغلتهم بالقدر الكافي ليتحولوا إلى أيقونات جديرة بالخلود، مثل أمينة شكري أول برلمانية مصرية، والمصارع إبراهيم مصطفى (1904 -1968) أول مصري وعربي يفوز بميدالية أوليمبية ذهبية، حتى أنه سجل صورة لرائد الفضاء الروسي يوري غاغارين، وإلى جانب لوحات الوجوه يضم المشروع جداريات شبيهة بالملصقات الدعائية الكلاسيكية، كلوحة "كل حال يزول" التي تحمل خلفيتها رسمًا لتذاكر هيئة النقل العام في القاهرة، على وجوه وأحداث بارزة لمعت في الستينات، أو أخرى يسجل من خلالها وقائع سياسية كلوحتي "حواء تنتخب" و"السيادة للشعب"، أو حكايات البيوت المصرية، مثلما ظهر في لوحة الزفة، أو التقاطه مكونات الحياة العادية من انشغال الأم في المطبخ، وصولا لمشتملاته من موقد لايزال يعمل بالجاز أو أخر أكثر تطورًا يعمل بأنبوب الغاز.

وترى روزا عيسى، منسقة المعارض والناقدة الفنية الإيرانية، أن اختيار أفيديسيان لموضوعات لوحاته لم يكن بريئاً، فمعظم شخصياته نابعة من طفولته، وتسترجع كل ما أهملته الدولة المصرية لعشرات من السنين، بما في ذلك من صرح مهدد بيئيًا أو شوارع شهيرة أو أشياء يومية أو حيوانات محببة إلى قلبه أو شخصيات معروفة.

فهل وفق هذه المعيارية يُعتبر "أفيديسيان" أيقونة؟
لا تحتاج إجابة هذا السؤال سوى التطلع إلى لوحاته، فعلى الرغم من أن اسم التشكيلي، الذي بدأ مسيرته أوائل السبعينات، قد يبدو غريبًا على المصريين من غير المهتمين بالحركة الفنية، إلا أن لوحاته لا تبدو كذلك أبدًا، ليس لأنه يدمج فيها "الأيقونوغرافية المصرية مع الرموز الفرعونية والنماذج الإسلامية الهندسية والتجريدية مع موتيفات الباروك المزينة بالزهور في العمارة الداخلية العثمانية" فحسب، وهي عناصر بصرية مألوفة لعموم المصريين، وإنما لأن تأثيره كفنان امتد إلى كثيرين غير من التشكيليين المصريين المحترفين والهواة على السواء، فصارت كمكون بصري جزءًا من الصورة اليومية العادية، حيث لا تكاد تنظر إلى جدارية تزين أحد شوارع القاهرة، خاصة ما أنتج من غرافيتي في ظل الحراك الثوري لـ25 يناير وما تلاها، أو إلى ملصق دعائي أو حتى غلاف كتاب، إلا ورأيت شيئًا من روحه.

تُظهر أعمال أفيديسيان، الذي درس الفن في مونتريال، ثم انتقل لدراسة الفنون الطباعية في باريس، اهتمامه بالفنون التقليدية والمواد المحلية، وربما يعود ذلك إلى فترة عمله مع المعماري المصري الشهير حسن فتحي ما بين عامي 1981 و1989، وتصفها الناقدة والأكاديمية اللبنانية مهى سلطان، بأنها تعكس ما "اختزنه من تجربته الطويلة، التي غرفت من التراث الأيقوني ومن الرسومات الهندسية والتصاوير المجردة في الفن المعماري العربي، ومن الفن الباروكي والزخرف بأشكال الزهور من الأقمشة العثمانية، إلى تصاوير القرن العشرين بريشة فنانين معروفين من العالم العربي (...) والفن الشعبي والشعر الصوفيّ ومفاهيم الزان اليابانية والصينية وجمالاتها".

لذلك يبدو اختزال تجربة أفيديسيان، الذي أقام معارضه في كندا ومصر والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وحققت مبيعات بعض لوحاته أرقامًا قياسية في صالات المزادات العالمية، في "أيقونات النيل"، مجحفًا لمشروعه الفني الذي يضم إلى جانب الرسم: التصوير الفوتوغرافي وتصميم الملابس والمشغولات التراثية كالرداء السيوي، وحتى المراوح الشعبية اليابانية الشهيرة، وستبقى الأصالة التي تتمتع بها أعماله شانت أفيديسيان، هي ما يرتفع به لأن يكون أيقونة بارزة في مسار الإبداع المصري، وما ستحفظها من النسيان وإن أهملتها الذاكرة الرسمية، ذلك أن أعماله - والوصف هنا لروز عيسى، التي أعدت كتاباً عن أعماله صدر في العام 2004 عن دار الساقي بلبنان-  تذكر المتلقي "بأوقات أفضل وبتراث ثقافي يجب ألا ينسى، وذلك بشيء من الفكاهة وبلمسة حانية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها