كان أزنافور آخر نجوم هذا الأسى، الذي ارتبط بفرنسا النصف الثاني من القرن العشرين، ستيناتها وسبعيناتها ومطلع ثمانيناتها تحديداً، قبل أن ينحسر أو ينقطع إلى ألبوم صورها الشائعة، فيصير لمغناه وجداناً ضعيفاً. أدرك أزنافور وضع المغنى هذا، ولذلك، راح يشجع تجديده، ويحض على إعادة مده بالشعر بعد أن نضب منه. من هنا، كانت علاقته بالراب وبـ"الصلام" ملفتةً، إذ دعم فناني هذين المسارين، كما أنه ترك أثره فيهم. وفي السياق، لا بد من القول إن أزنافور كان من محبذي الراب والصلام لأنهما خلقا في الشارع، الذي كان بحسبه مدرسته الحياتية، ولأنهما أميركيّا النشأة، ذلك، أنه لطالما كان على اتصال بالولايات المتحدة، التي وجد أنها مختبر فني واسع، مختبر كان قد استقبله ذات يوم بحرارة.
حافظ أزنافور على المغنى الفرنسي، الذي لا شك أنه كان سفيره، والذي لا شك أن سهره عليه كان سهراً على انتاج هويته أيضاً. هذه الهوية التي كانت تضيق لدرجة الساركوزية، ولدرجة الدعوة إلى "فرز" المهاجرين بين نافعين، يجري فتح الأبواب لهم، وغير نافعين، يجري إقفالها في وجوههم. وعلى الرغم من هذه المواقف، وعلى الرغم من علاقته مع الكثير من السياسيين في فرنسا وفي العالم، فقد كان أزنافور يردد أنه ليس مسيساً، بل إنه "منتج ثقافي معد للتصدير"، بحسب عباراته، كما أنه "ليس يسارياً، ولا يمينياً، أفعل ما أريد، أنا ما أنا، أنا إنسان حر".
برحيل أزنافور، الذي كتب ولحن وغنى أكثر من ألف أغنية، يخسر المغنى الفرنسي آخر أسمائه، التي عاصرت أطواره الذهبية وغير الذهبية، والتي كان تشكل مع بعضها البعض، من إديث بياف إلى ليو فيري، صوتاً متوجهاً بإبداعه إلى جمهور عريض ومختلف ومتوزع على الصالات والمهرجانات والساحات. وبرحيل أزنافور أيضاً، وعدا عن خسارته واحداً من صانعي تاريخه، يفقد ذلك المغنى وجه من وجوهه العالمية، الذي، وفي نهاية حياته، رأى أن أفضل تحية إليه بعد موته هي أن يتذكره موطنه الأول، أي أرمينيا، التي لجأ منها بلا أن يولد فيها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها