الثلاثاء 2018/10/02

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

بطل المغنى الفرنسي... أزنافور مات!

الثلاثاء 2018/10/02
بطل المغنى الفرنسي... أزنافور مات!
كان أزنافور آخر نجوم هذا الأسى
increase حجم الخط decrease
مُحزن هو رحيل شارل أزنافور (أيار 1924) في هذه الأيام الخريفية. والحزن، الذي يبعث رحيله عليه، هو حزن مضاعف، ذلك، أنه ليس عاطفة خالصة حيال الفنان فقط، بل حيال وقت، ومرحلة، وربما، حيال بلاد بأكلمها أيضاً. فأزنافور أكثر من مغن وممثل، ولاحقاً، ديبلوماسي، إذ كان رمزاً من رموز فرنسا، بباريسها بعد التحرير، الذي رافقته نوع من النهضة في كل الصعد الثقافية، بحيث ساهم فيها، وعمد إلى التمسك بجوها، ولو بعد مرور زمن طويل. ذلك، أنها عنت له أمراً أساسياً؛ تقديم الأغنية الفرنسية كأغنية عالمية، تعبر من الولايات المتحدة الأميركية إلى اليابان، وبينهما، استراحة في الأرض الأم، في أرمينيا، التي رأت فيه بطلها الوطني.

وبالفعل، قدم أزنافور تلك الأغنية في كل أغنياته، فهو حتى عندما كان يطرب جمهوره باللغة الروسية مثلاً، كانت حنجرته الفرنسية منطلقه مثلما كانت مقصده، فيذهب منها ليرنو إليها. اتسمت هذه الحنجرة، التي صقلها ولمعها، بسمة أساس، وهي الأسى، الذي، وحين يحمله صوت أزنافور إلى الأذن، ينزل في الخاطر لجعله مطلاً على ذاكرةٍ، أو ما يشبهها، وبالتالي، مشدوداً إلى مفقود أو غائب. كان في هذا الأسى، في صوته، طقسا قريبا من كونه جنازة، لكنه، وفي الوقت نفسه، قريب من كونه سلوان: صلاة مرفوعة إلى ماضٍ ما لإبقائه حياً، وبالفعل ذاته، للشفاء منه. طبعاً، هذا الماضي، وفي أغلب مقالبه، وكما هو معلوم، هو رجاء الحب، الذي لم يكن ميداناً بقدر ما كان حديقةً.

كان أزنافور آخر نجوم هذا الأسى، الذي ارتبط بفرنسا النصف الثاني من القرن العشرين، ستيناتها وسبعيناتها ومطلع ثمانيناتها تحديداً، قبل أن ينحسر أو ينقطع إلى ألبوم صورها الشائعة، فيصير لمغناه وجداناً ضعيفاً. أدرك أزنافور وضع المغنى هذا، ولذلك، راح يشجع تجديده، ويحض على إعادة مده بالشعر بعد أن نضب منه. من هنا، كانت علاقته بالراب وبـ"الصلام" ملفتةً، إذ دعم فناني هذين المسارين، كما أنه ترك أثره فيهم. وفي السياق، لا بد من القول إن أزنافور كان من محبذي الراب والصلام لأنهما خلقا في الشارع، الذي كان بحسبه مدرسته الحياتية، ولأنهما أميركيّا النشأة، ذلك، أنه لطالما كان على اتصال بالولايات المتحدة، التي وجد أنها مختبر فني واسع، مختبر كان قد استقبله ذات يوم بحرارة.

حافظ أزنافور على المغنى الفرنسي، الذي لا شك أنه كان سفيره، والذي لا شك أن سهره عليه كان سهراً على انتاج هويته أيضاً. هذه الهوية التي كانت تضيق لدرجة الساركوزية، ولدرجة الدعوة إلى "فرز" المهاجرين بين نافعين، يجري فتح الأبواب لهم، وغير نافعين، يجري إقفالها في وجوههم. وعلى الرغم من هذه المواقف، وعلى الرغم من علاقته مع الكثير من السياسيين في فرنسا وفي العالم، فقد كان أزنافور يردد أنه ليس مسيساً، بل إنه "منتج ثقافي معد للتصدير"، بحسب عباراته، كما أنه "ليس يسارياً، ولا يمينياً، أفعل ما أريد، أنا ما أنا، أنا إنسان حر".

برحيل أزنافور، الذي كتب ولحن وغنى أكثر من ألف أغنية، يخسر المغنى الفرنسي آخر أسمائه، التي عاصرت أطواره الذهبية وغير الذهبية، والتي كان تشكل مع بعضها البعض، من إديث بياف إلى ليو فيري، صوتاً متوجهاً بإبداعه إلى جمهور عريض ومختلف ومتوزع على الصالات والمهرجانات والساحات. وبرحيل أزنافور أيضاً، وعدا عن خسارته واحداً من صانعي تاريخه، يفقد ذلك المغنى وجه من وجوهه العالمية، الذي، وفي نهاية حياته، رأى أن أفضل تحية إليه بعد موته هي أن يتذكره موطنه الأول، أي أرمينيا، التي لجأ منها بلا أن يولد فيها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها