الأحد 2018/10/14

آخر تحديث: 11:01 (بيروت)

"صابون وجلد" للإغتسال من الوحشة

الأحد 2018/10/14
increase حجم الخط decrease

لا تعلم الفنانة النمساوية آنيا بلاشغ لماذا سمت مشروعها الموسيقي، الذي انطلق منذ العام 2009، "صابون وجلد"، ولكن، وعند سماع أغنياته، من الممكن للمستمعين الاعتقاد بأن ذلك الاسم يتصل مباشرة بمحتواها. فهذه الأغنيات، نصا ولحنا وأداء، تشتمل على عدة جوانب ممزوجة ببعضها البعض. أولها، هو أن مسها الآذان هو مس رفيق، ولكن، هذا لا يعني أن أثرها خفيف، على العكس، وهذا، ثاني جوانبها، أثرها شديد، بحيث أنه، وهذا ثالث الجوانب، يقترب من كونه غسلاً للنفس، أو بالأحرى، وعلى قول ريلكه في وصفه درء المخاوف، تنبه إلى أشياء داخلنا تحتاج إلى إنقاذ لها. وعلى هذا النحو، ينسجم المسمى مع الإسم، ويوفران معنى لفن بلاشغ، التي تحدثت مرةً عن كونها مهووسة به، وليس مجرد منجزة له.

وبالفعل، الذي يلاحق ألبومات بلاشغ، من "نغمة حب للخواء" (2009)، و"ضيق" (2012)، بالإضافة إلى "من الغاز إلى الصلب\أنت صديقي"، الذي انتشر عدد من أغنياته منذ أيام، يلاحظ أن غناءها مرتبط بنظرة معينة حياله، وهي أنه ليس مجال تعبير سوى لأنه مجال عبور من حالاتٍ، لا يمكن مبارحتها سوى من جهته. هذه الحالات، التي تعمد بلاشغ إلى تصويتها، والتي يشكل صوتها الرابط بينها، كما أنه مرآتها، أي الذي يمدها بالمرئية، خلاصتها هو الوحشة، التي مرةً، تأخذ من الماضي مرداً لها، ومرةً، تأخذ من الخاطر رجاء لقساوتها، وفي الحالتين، تطبع الغناء، الذي، وبدوره، يستوي على إنتهاء منها.


لا تخفق بلاشغ في الإغتسال من الوحشة، وهي، وقبل أن تردد في أغنية من أغنيات ألبومها الأخير، وبلسان طفلة، ألا فزع لديها، كانت قد حاولت صياغتها، طبعاً، بالكتابة، وطبعاً، بالتلحين، ولكن، وفي الوقت ذاته، بالتشكيل الأدائي. فقد جعلت بلاشغ من تنفسها المضطرب مثلاً لازمة من لوازم غنائها، كما أنها أضافت إليه أصواتا تشبه حشرجة الإحتضار والنحيب، فضلاً عن الأنين، مثلما أن غالباً ما يكون إصدارها لهذه الأصوات إصدارا من كل الجسم، وليس من الحنجرة فحسب.


الذي يبرز بدايةً من أي عمل من أعمال بلاشغ، التي تصيغ الوحشة فيها، هو ذلك التشكيل تحديداً، الذي سرعان ما تبدو العناصر الأخرى، كالنص واللحن، كأنها تتمحور حوله. فالأداء يشكل الوحشة، يعطيها شكلاً، ويقدمها لهذين العنصرين اللذين يتصرفان بها، وبالتالي، بدونه، لا قوام لهما.

وربما، في هذا السياق، يندرج تمثيل بلاشغ في عدد من الأفلام، أو يندرج استخدام أغنياتها لأفلام معينة، ذلك، أن مغناها هو مغنى أدائي بامتياز، مغنى لتأدية الوحشة، ولجعلها مرئيةً بواسطة الصوت، الذي، ولكي يستكمل مفعوله، غالباً ما ترافقه صاحبته بصور وفيديوات.

تنتسب موسيقى بلاشغ إلى مسار بعينه، حيث أنها، وخلاله، تحمل التأدية من دون أن تتدخل فيها، بل إن التأدية، ومن ناحيتها، تتيح لها أن تدور خلفها. هذه الموسيقى هي دائماً موسيقى خلفية، إذ، وتحت غطائها الإلكتروني والـ"فولكي"، تتقدم بلاشغ إلى الوحشة، ساعيةً إلى تشكيلها صوتياً ومرئياً. على هذا الأساس، تتبع هذه التأدية الموسيقية لـ"صابون وجلد"، ففي أعمال "حب الخواء"، كانت لا تزال في طور الولادة، حيث الكلمات والألحان مسهبة، ولا يمكنها، ومهما مالت إلى الجنائزية، التمكن منها، وبدءاً من أعمال "ضيق"، بدأت هذه التأدية تحظى بمنوالٍ، فصارت تؤلف أسلوبا غنائيا، يحيل إلى أسلوب الفنانة نيكو، التي تأثرت بلاشغ بها في مطلع تجربتها. أما، في الألبوم الأخير، وبحسب أغنياته المنشورة حتى الآن، ظهرت تلك التأدية كأنها توشك على الخلاص من مرحلة، أو من موضوع، أي الوحشة، فقد هدأت، ومالت إلى السكينة، كما لو أنها تختم معركةً بإعلان الظفر فيها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها