الإثنين 2018/10/01

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

كريستيان تشوخو لـ"المدن": تهمني النساء القويات

الإثنين 2018/10/01
كريستيان تشوخو لـ"المدن": تهمني النساء القويات
من الرائع أن يكون لديك شريك عمل مثل أمي
increase حجم الخط decrease
لم تكن باولا بيكر (1876-1907) مجرد امرأة تتمتع بموهبة غير عادية في الرسم. كانت أيضاً شجاعة واجهت جميع الأعراف الاجتماعية الألمانية في بداية القرن العشرين من أجل تلبية ندائها الداخلي والاستمرار في رسم الأشياء كما تراها وتحسّ بها. سيرتها حكاية نضال ضد التحيز والاجحاف، مثلما هي أيضاً قصة حب جميلة وغريبة مع الرسام المرموق أوتو مودرسن.

كانت باولا رائدة في مجالها، فهي أول امرأة في تاريخ الفن يُخصص لها متحف بأعمالها، وهي أول رسّامة ترسم لوحات عارية. السينمائي الألماني كريستيان تشوخو (1978) يعيد التذكير في فيلمه الأخير "باولا"* بسيرة تلك "المرأة القوية والمتحدية"، صديقة راينر ماريا ريلكه، التي تركت الراحة البرجوازية لتخرج إلى شوارع باريس من أجل تطوير شغفها التصويري، لتصبح واحدة من أكثر الفنانين أصالة في ذلك الوقت. بين الدراما الحميمة والحيوية الوافرة، يخبرنا "باولا" عن النضال الصعب الذي تعانيه النساء في بيئة يسيطر عليها الذكور ورجولتهم المخيفة، وفي الأثناء يقدّم مقاربة حسّاسة لزواجها غير التقليدي بفنان لم يتوقف عن حبها ودعمها يوماً لكنه امتنع عن منحها الطفل الذي تريده. هنا حوار معه.

- في فترة قصيرة، أصبح في رصيدك حزمة أفلام معتبرة نال معظمها الإشادة النقدية. هل أردت دائماً أن تصبح مخرجاً؟

*في مراهقتي المبكرة، قضيت أوقاتي في الكتابة والتمثيل والرسم والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى، لكن لم أتمكن من تحديد المهنة التي يجب عليّ اختيارها لبقية حياتي. عندما بلغت الثامنة عشر، أدركت في يوم من الأيام أن صناعة الأفلام ستكون مزيجاً من كل الأشياء التي أحبها. كان العمل كمراسل تلفزيوني خطوة رائعة قبل الذهاب إلى مدرسة السينما. علمتني كيفية القيام بأبحاث مكثفة واتخاذ قرارات سريعة.

- لماذا أردت إنجاز فيلم عن باولا بيكر؟

*حين كنت مراهقاً أردتُ أن أكون رساماً. رسمت الكثير وقضيت يومي في المتاحف. والحقيقة هي أنه عندما عُرض عليّ هذا الفيلم لم يكن لدي أي فكرة عمن تكون بيكر. لكن عندما اكتشفت قصتها، تأثرت كثيراً بحقيقة أن هذه المرأة البالغة من العمر عشرين عاماً كانت تملك الشجاعة لمواجهة الجميع من أجل الوفاء بمهمتها كرسام. وهي لم ترد فقط أن تكون رسامة. بل أرادت أيضاً تكوين أسرة. هذا جعلها أكثر راديكالية. حتى اليوم من الصعب جداً على العديد من النساء الوصول إلى القمة في مجال عملهن، وأعتقد أن الطريقة التي تعاملت بها باولا مع زواجها كانت درباً من الحداثة المطلقة.

- تفاجئنا ذكورية ومحافظة العديد من شخصيات الفيلم عندما نتحدث عن قصة حدثت قبل مائة عام فقط. هل نحن قادمون من كهف؟

*ليس من الضروري الذهاب بالزمن بعيداً جداً لإدراك الأمر. في ألمانيا هناك ما نسبته 50٪ من المخرجين من النساء، لكن 15٪ فقط من الأفلام تُخرجها نساء. عندما ترى فرق الأوركسترا السيمفونية في جميع أنحاء العالم، لا توجد حتى الآن نساء لقيادتها. لم يخصص متحف برادو معرضاً لأي فنانة حتى العام الماضي (كلارا بيترز). مؤخرًا قال فنان ألماني مشهور إن بولا بيكر فقط هي من تمكنت أن تكون امرأة، وأن تمتلك الموهبة. بالطبع لقد تحسّنا، لكن وضع المرأة ما زال صعباً للغاية. الآن ربما تكون هذه المحافظة الذكورية أكثر لطفاً وهو ما يجعلها أكثر تعقيداً. هناك سؤال أساسي يتعلّق بالشبكات والمؤسسات التي تُنشأ. النساء اللواتي يرغبن في الذهاب بعيداً لا يكون لديهن نساء أخريات لدعمهن. وبدلاً من ذلك، أنشأ الرجال العديد من نوادي السلطة التي يمكنهم الاعتماد عليها.

-في باولا نرى شخصيتها المتمردة ولكنها أيضاً امرأة واقعة في الحب. هل كنت مهتماً باستكشاف هذه الثنائية؟

*ما أدهشني أكثر، من خلال قراءة رسائلها ومذكراتها، توصّلها في النهاية إلى استنتاج مفاده إنها في الواقع لم تهتم بما يظنّه الآخرون. لا تتحدث عن نفسها كضحية. تتجاهل ببساطة ما تمليه عليها السلطة الاجتماعية. في عالم نتعرّض فيه جميعاً لسلطة ما، فإن طريقة باولا في تجاهلها ببساطة مثيرة للإعجاب. لقد عانت كثيراً بسببها، وقد يبدو الأمر يسيراً للغاية، لكنها حاولت دائماً أن تكون شخصاً إيجابياً وأن تحتضن الأشياء الجميلة في الحياة. من المدهش أنها امتلكت هذه القوة في زمنها.

-كيف تريد أن تصوِّر هذا الزوج، أوتو مودرسن؟

*كان رساماً معروفاً في ذلك الوقت ولا يزال موضع تقدير كبير في ألمانيا. لقد كان رجلاً سابقاً لأفكار زمنه وناجحاً في نفس الوقت. على الرغم من هذا النجاح، ولأنه كان يتمتع بثقافة رائعة، كان يعرف أن زوجته هي من تملك الموهبة الحقيقية. هذا أيضاً لا يحدث في كثير من الأحيان حالياً. بالطبع إنها قصة حب ملؤها الألم، ولكنها أيضا قصة جميلة جداً لأنه على الرغم من كل الصعوبات كان هناك دائماً اتصال بينهما. بالطبع كان هناك فترة في باريس عندما كانت باولا متعبة جداً من أوتو، لكنها لم تتوقف أبداً عن إرسال الرسائل له. ظلّا دائماً زوجين. هذا أمر غريب في الوقت الحالي، حيث ينكسر فيه الناس بسهولة أكبر.

-العفة المفروضة ذاتياً في الزواج ربما هي الجزء الأصعب فهمه في القصة بأكملها.

*لم يتلامسا لمدة خمس سنوات! كان مودرسن حقاً خائفاً للغاية من فقدان زوجته الأولى بعد أن فقدت مولودها الأول. وبطريقة ما أعتقد أنه تجاوز شعوره مع حيوية بولا. في النهاية، هناك مزيج بين الجنس والموت تتضح أصداء مجازاته الكبيرة في لوحات باولا: الأمهات والرُضّع والجسد الميت...



-يبدو راينر ماريا ريلكه في شبابه، كما ظهر في الفيلم، مثل أخرق يقول أشياء حكيمة. كيف تُحدد علاقته مع باولا في ذلك الوقت؟

*ريلكه الذي نراه في الفيلم لا يقول كثيراً عما سيصيره في المستقبل. عندما التقى باولا كان صغيراً جداً وكان قد وصل لتوه من روسيا، وهذا هو السبب في أنه كان يرتدي هذه الملابس المثيرة للفضول التي تشبه الروس والتي تجعله يبدو مثل "الهيبيز" (hipsters). في ذلك الوقت لم يكن معروفاً. كان من المعروف أن لديه موهبة، ويتحدث قليلاً عن ذلك، لكنه لم يكن في الحقيقة وقتاً عصيباً بالنسبة له، فقد عاش على ما كانت تعطيه النساء له. كان لديه علاقة وثيقة جداً مع باولا، ولديّ انطباع أنه كان مهتماً بها أكثر من اهتمامها به. لذا فهو لم يكن الرجل الجذاب والرائع الذكاء الذي انتهى به الأمر ليصيره.

-بعيداً عن "باولا"، أنت تعمل مع والدتك. تكتب لك. كيف حدث هذا التعاون؟

*من الرائع أن يكون لديك شريك عمل مثل أمي. نحن نتشارك الآراء ووجهات النظر وتقريباً نفس روح الدعابة. لا يوجد تباين بيننا، مما يجعل العمل سوياً خاصاً للغاية. علمتني أمي أن أكون شخصاً فضولياً. في بعض الأحيان، يكون العمل أكثر من اللازم، لذا يكون الاحباط من نصيب بقية الأسرة، لكننا أصبحنا أفضل بكثير.

-تتضمن أعمالك فيلم إثارة وجاسوسية، وسيرة ذاتية للرسامة الألمانية لرسامة ألمانية طليعية، ونضالات كاتب. كيف تصف مسارك؟

*كل فيلم يحتاج إلى جوهر، وهذا أمر مهم بالنسبة اليّ، ويجب أن يكون تحدياً. أحاول إعادة اختراع نفسي مع كل فيلم جديد. أنا مهتم بالشخصيات التي تحاول العثور على هويتها في عالم من الأعداء، ومهتم بالشخصيات النسائية القوية.

-ماذا عن جديدك في الفترة المقبلة؟

*انتهيت تقريباً من تصوير "الدرس الألماني". فيلم مقتبس عن رواية شهيرة بنفس الاسم للكاتب الألماني سيغفريد لينز. أمي كتبت السيناريو.


*عُرض مؤخراً في بيروت ضمن فعاليات النسخة الخامسة من "أسبوع الفيلم الألماني".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها