يسأل عنها مصطفى أمين، فيخبرونه أنها لاجئة فلسطينية، تسمى عواطف محمد عجمي. تلتقط نجوى منه طرف الحديث، خلال الحلقة التي بثتها قناة "ماسبيرو زمان" المصرية، من البرنامج القديم الذي كان يقدمه التلفزيون باسم "بروفايل"، للإعلامية المصرية فريال صالح. في الحلقة، تجلس نجوى فؤاد أمام مكتب مصطفى أمين مثل التلميذة، بامتنان وود كبيرين، ترد على الأسئلة، وتصحح بعض معلومات الأستاذ عنها، فتقول أنها بدأت الرقص في أعقاب حرب 1956، ربما لولا هذه الحلقة التي حفظتها ذاكرة التلفزيون المصري، لم نكن لنجد الخيط الذي يساعدنا في اللكتابة عن أسطورة الرقص المصري، نجوى فؤاد.
في حلقة أخرى مع فريال صالح، تكشف نجوى فؤاد، معلومات أكثر عن نشأتها وطفولتها، تقول لفريال: أنا عواطف محمد عجمي، ولدت في الإسكندرية، وسافرت مع أمي وأبي إلى يافا في فلسطين، حيث عشت فيها حتى حرب 1948، توفيت أمي، وبعض أقاربي أوصلوني إلى منطقة العريش، ليتسلمني أبي، حيث عشت معه حتى بلغت 13 عاماً.
أحبت عواطف الطفلة، الرقص، خلال أعوامها الدراسية الأولى، وتعترف بفشلها الدراسي وتعثرها، بسبب حبها للرقص. ساءت العلاقة بينها وأهلها، وقررت أن تحترف الفن، ووعدت أهلها أنها ستقتل نفسها إذا أخفقت في تحقيق حلمها الفني.
ظهرت نجوى فؤاد في زمن الراقصات الشهيرات، سامية جمال، نعيمة عاكف، وتحية كاريوكا. لم تكن ملاهي شارع الهرم، قد انتشرت بعد. لم يكن الشارع قد وُجد أصلاً، بحسب شهادة تحية كاريوكا التي تقول عن نجوى فؤاد في لقاء تلفزيوني جمعهما مع فريال صالح: كنت شايفاها كويسة، كانت بتدي فنها كل وقتها.
وتوالت محطات درامية عديدة في حياة صاحبة القدم الموسيقية. أولها، أنها ردّت الجميل لمصطفى أمين، الذي اكتشفها. ويقول مؤسس "أخبار اليوم": أذكر لنجوى فؤاد، أنني عندما سجنت، صدر قرار بأن ينزل عليّ ستار الصمت، فحذف اسمي كمؤسس "أخبار اليوم"، ومن فيلم "معبودة الجماهير". وفي وسط هذا الصمت، وفي زنزانتي، فتحت إحدى المجلات، فوجدت نجوى فؤاد تقول في حوار لها: الفضل لما وصلت إليه كان لمصطفى أمين. ويتابع قائلاً: دُهشت أن أجد رجلاً داخل امرأة.
أبرز المحطات الدرامية في حياة نجوى فؤاد، حين ذهبت لترقص لأفراح السلطة مجاناً، فكان جزاؤها أن تتلقى صفعتين، من دولة ضباط يوليو، لأنها أطلقت في فرح ابنة عبد الناصر أفراخ الحمام الأبيض. تحكي الحكاية في لقاء تلفزيوني حديث، وهي ما زالت مندهشة من الواقعة. تقول إنها ذهبت لترقص في زفاف ابنة الزعيم، ولأنها "راجل داخل امرأة" ذهبت لتجامل السلطة، لأنها تعشقها، وتكبر الزعيم، والد العروس، وحينما شعرت بالرغبة في أن "تجوّد" في المجاملة، فكرت بإطلاق الحمام الأبيض، بما يحمل من رمزية "السلام"، فتلقت صفعتين من رجل مخابرات مجهول. هكذا كانت تدار دولة عبد الناصر، شخص ما يقرر أن يقتص للزعيم، ولابنته، ولمعازيم الزفاف الذين شعروا أن إطلاق حمام ليحلق فوق رؤوسهم ربما تكون حركة "بلدي"، فإذا بالشخص المجهول، السيادي الشرس، يذهب ليصفع الراقصة، ويلقنها درساً، وهي التي جاءت "ببلاش" بتكليف من "الشؤون المعنوية"، لتؤدي نمرة، غصباً.
شكرها الرئيس، ونفحها 500 جنيه مكافأة واعتذاراً. وعلى الرغم من طيبة قلب نجوى فؤاد، إلا أن القصة ظلت باقية في حنايا ذاكرتها، لترويها ذات مساء في برنامج تلفزيوني مع الإعلامي المصري عمرو الليثي. ظلت الحكاية باقية في ذاكرتها، منذ زفاف منى عبد الناصر، في الستينات، حتى روتها العام 2015، وكأنها تلقت الصفعتين الآن.
رقص نجوى فؤاد، جعلها تدخل الفن من أوسع أبوابه، خصوصاً بعد توصية مصطفى أمين، واهتمام صحيفة بحجم "أخبار اليوم" بها، ولكن هل أضرّ عمل نجوى فؤاد في السينما، بالرقص؟ ترد تحية كاريوكا على السؤال: الرقص أصعب من التمثيل، لأنك تقنعين الناس بمزيكا جسدك.
نستنتج مما قالته تحية، أن نجوى فؤاد مالت إلى السهل، على الرغم من أنها بارعة في الصعب. ففي رقصة مشتركة لنجوى فؤاد، مع سهير ذكي، يظهر حرص الأولى على التباري مع زميلتها التي تصغرها بأعوام - سهير رمزي مواليد 1945 ونجوى 1939- تبدو الرقصة كأنها مناظرة فنية، يتقارع طرفاها عبر هز الخصر والأرداف، وكذلك تتمايل العنق، وسيطرة الاثنتين على حركات الأصابع والذراعين، فتحافظان على مساحة محددة بينهما، وتقتربان وتناوران، وتتحكمان أيضاً في انفعالاتهما، فلا تبدو أي منهما مشدودة، أو عصبية، تحتفظ ملامح نجوى وسهير بالبسمة المتألقة، كأنهما يمارسان لعبة النفس الطويل، يمارسانها بجزل شديد. تشعر أن الرقصة التي جمعت نجوى وسهير، امتازت بالحنو والهدوء، على الرغم من إيقاع التنافسية الواضح بينهما، ولا تملك إلا أن تحنّ إلى هذا الزمن الجميل، الذي امتلكت فيه الراقصات المصريات، ناصية هذا الفن العريق، عوضاً عن الزمن الحالي، الذي طغت فيه شهرة الراقصات الروسيات، بما يشير إلى أن تراجع فن الرقص الشرقي ارتبط بشكل ما بتراجع الدولة المصرية سياسياً واقتصادياً.
لعبت نجوى فؤاد أدواراً كثيرة في السينما والتلفزيون، بدأت مبكراً منذ نهاية الخمسينات، أدت فيها أدوار الراقصة، كان منها الراقصة الشريفة، كما في فيلم "إسماعيل يس في الطيران"، حيث جسدت دور خطيبة البطل، وغيرها من الأدوار المتنوعة بين الشر والخير. لكنها انحصرت في أداء شخصية الراقصة. اتسمت سنوات الستينات بغزارة اشتراكها في أكثر من عمل سينمائي خلال العام نفسه، وربما يكون ذلك قد عجل في مواتها كراقصة، وساهم في تكريس صورتها كفنانة إغراء. ففي العام 1946 شاركت في عشرة أعمال سينمائية ومسرحية، وربما يكون بعض هذه الأفلام قد صُور قبل هذا العام بعامين. لكن الأرجح أن ظهور 10 أعمال لها في عام واحد، يدل على غزارة نشاطها وتألقها، فحملت أفيشات الأفلام صورها واسمها، إلى جانب أبطال كبار، مثل في فيلم "المغامرة الكبرى" لفريد شوقي وحسن يوسف. ففي هذا الفيلم جسدت نجوى فؤاد شخصية أخرى برعت فيها وهي شخصية اللعوب، والأرجح أن هذا القالب سيلائم نجوى فؤاد، وسيجعلها الاختيار الأول المفضل عند الكثير من المخرجين لاحقاً.
قصص جانبية عديدة أثارتها الصحافة حول حياة نجوى فؤاد الخاصة والعامة، أشهرها قصة الحب المزعومة بينها وبين الوزير الأميركي كيسنجر، التي نفتها نجوى نفسها، لكنها صنعت لها رواجاً، خصوصاً حينما تضاربت تصريحاتها في هذه القصة، بين أن كيسنجر تقدم لها طالباً يدها للزواج، وهي رفضتها لمواقفه الداعمة للصهيونية، وبين أنها اكتفت فقط برفض طلبه للزواج لأنها كانت متزوجة آنذاك من سامي الزغبي. كما أن من بين القصص التي تداولتها الصحافة عن سيرتها الشخصية، زيجاتها المتعددة، عدا عن سامي الزغبي، الذي أشهر إسلامه من أجلها، وكذلك زواجها القصير بأحمد رمزي، الذي دام 17 يوماً. هذه الدراما الهائلة في حياة نجوى فؤاد جعلت فنها الكبير يتراجع في أذهان الكثيرين، لتتصدر مشكلاتها الحياتية الواجهة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها