الأحد 2017/12/10

آخر تحديث: 09:46 (بيروت)

هل سهّل طه حسين اختراق الصهيونية لمصر؟

الأحد 2017/12/10
هل سهّل طه حسين اختراق الصهيونية لمصر؟
تحاول المؤلفة جاهدة القول إن طه حسين كان لعبة في يد الصهاينة
increase حجم الخط decrease
يأتي صدور كتاب "الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017"، للباحثة عواطف عبد الرحمن في وقته تماما، وكأن مؤلفته كانت تعلم بالغمة القادمة، وتتوقع كارثة إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل... وليس من المستغرب عن عواطف عبد الرحمن التي اعتقلها السادات ضمن مجموعة كبيرة من معارضي سلامه مع إسرائيل مطلع الثمانينات، أن تصدر هذا الكتاب، وهي ترصد فيه كل من ساند المشروع الصهيوني في مصر، ووفر له إمكانيات التمدد والانتشار في البيئة المصرية، وجعل إسرائيل صديقا في وضع شاذ ومغاير لمكانتها الطبيعية آلا وهي "العدو".


تؤكد عواطف عبد الرحمن أن فكرة الكتاب شغلتها منذ سنوات، عندما هالها غياب الوعي لدى الأجيال الجديدة بماهية الصراع العربي الصهيوني، وتاريخ ومركزية القضية الفلسطينية، وتطوراتها وحقيقة المشروع الصهيوني والصراع الوجودي بين هذا المشروع والمشروع القومي العربي.

تُحمّل عواطف عبد الرحمن اتفاقية كامب ديفيد التي دشنها السادات عام 1978، مسؤولية الانحراف عن المسار الصحيح لمواجهة تحديات الماضي وتعدد بعد كامب ديفيد اتفاقيات الصلح المزعومة مع إسرائيل، ومنها اتفاق أوسلو عام 1993، واتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994، تشير عواطف إلى أن أخطر ما أسفرت عنه هذه الاتفاقيات تتمثل في المحاولات الصهيونية لإعادة تشكيل عقول الأجيال الجديدة ووجدانهم بحجب الحقائق التاريخية والثوابت الوطنية سواء ما يتعلق بالحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني الاقتلاعي في فلسطين، أو الثوابت القومية في عالمنا العربي.

تضع المؤلفة يدها على مكمن الخطر، حينما تذكر في كتابها، أن مناهج الكتب المدرسية المصرية، كاشفة عن هذا التحول في وعي الأجيال الجديدة إزاء الصهاينة، والقضية الفلسطينية، تشير إلى أن الباحث الإسرائيلي أوفير وينتر، أجرى دراسة بعنوان "السلام مع إسرائيل في الكتب المدرسية المصرية ومقارنة التغييرات التي طرأت بين عهدي مبارك والسيسي" ونشرها في دورية تقارير استراتيجية إبريل مايو 2016، الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، وذكر الباحث الإسرائيلي أن المناهج الجديدة قدمت إسرائيل في اعتبارها بلدا صديقا وليست عدوا، ولم تتطرق لحروب مصر وشهدائها على أيدي الإسرائيليين كما حذفت أهم بنود معاهدة السلام المرتبطة بالقضية الفلسطينية، مثل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودور مصر المحوري في مساندتهم.


أسئلة كبيرة بلا إجابة

تستعرض عواطف عبد الرحمن اتفاقيات السلام التي إبرمت مع إسرائيل، تحت بند التسوية السلمية التي بدأها السادات واستمرت خلال عصر مبارك على مدى 30 عاما ولا تزال مستمرة بعد ثورة 25 يناير 2011، تذكر المؤلفة أن مصر ضحت بآلاف الشهداء دفاعاً عن حقها في حماية حدودها وأمنها القومي، لكن تراجعها عن هذا الهدف الاستراتيجي وخروجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيعها اتفاقيات الصلح والاستسلام للشروط الأميركية الصهيونية، كان له آثاره الكارثية على مجمل الأوضاع المصرية والفلسطينية والعربية، وتطرح عدة أسئلة، منها: ماذا حققت التسوية لكل من القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري؟ وهل استطاعت مصر بعد 37 عاما من توقيع كامب ديفيد أن تحتفظ بسيادتها كاملة على سيناء، خاصة بعد توقيعها الاتفاق الأمني مع إسرائيل وأميركا في يناير 2009، والذي يؤكد أن مصر ليس لها سيادة كاملة على أرض سيناء ومياهها الإقليمية ومجالها الجوي.


اليهود في مصر

تسلّط عبد الرحمن الضوء على وجود اليهود في مصر، مستعينة بالمصادر التاريخية التي أرجعت وجودهم إلى عام 1650، قبل الميلاد، حينما هاجر يعقوب وأولاده إليها، واستقر بعضهم في منطقة الفيوم، بعد خروج النبي موسى من مصر 1300 ق.م، بعد هذا الجزء التاريخي الشيق، تقفز المؤلفة إلى الخريطة الاجتماعية والطائفية لليهود، تشير هنا كيف انقسم اليهود إلى ثلاث شرائح أساسية، شكلت العائلات الأرستقراطية، الثرية، ورجال الأعمال البارزين، في مجالات تصدير القطن وغيرها، وأخيرا صغار الحرفيين والباعة الجائلين، وفقراء اليهود. كما تمر عواطف عبد الرحمن على دور اليهود الاقتصادي في مصر، ومساهماتهم في إنشاء وتوجيه البنوك وشركات التأمين، وشركات الأراضي الزراعية، التي عملت على امتلاكها، واستغلالها، والمضاربة فيها، وتمويل المشروعات الاقتصادية وإدارتهم لبنوك التسليف والرهون. تكشف عواطف كيف تسبب النشاط المصرفي لبنوك موصيري وسوارس والعقاري المصري" وهي من أقدم البنوك اليهودية في مصر، في حدوث الأزمة المالية الحادة في مصر عام 1907، نتيجة تمويل هذه البنوك المضاربات في الأراضي الزراعية وأراضي البناء، مما أسفر عن نزع ملكية كثير من المزارعين المصريين.

تتحدث فيه عواطف عبد الرحمن عن الدور الخطير للمثقفين اليهود في مصر، الذين حاولوا الالتفاف حول كبار الكتاب والأدباء المصريين والتقرب إليهم، لكسب تعاطفهم مع القضية الصهيونية، فنجحوا في اكتساب ثقة طه حسين، ومحمد حسين هيكل، والعقاد، ولطفي السيد. توجه عواطف عبد الرحمن سهام النقد إلى طه حسين، وتحمله مسؤولية تجاهل القضية الفلسطينية، في أكثر من موضع، بل وتتهمه بأنه كان إحدى أدوات اختراق الصهيونية لمصر، إذ تشير عواطف إلى أن عميد الأدب العربي أشرف على رسالة دكتوراه بعنوان "تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام" لتلميذ طه حسين الباحث اليهودي إسرائيل ولفنسون، الذي أظهر فضل اليهود على العرب في رسالته، كما تشير عواطف إلى أن الصحافة اليهودية أحاطت طه حسين باهتمامها الواضح، خصوصاً عندما أعيد إلى الجامعة بعد إقصائه عنها، كما ترجم أحد المثقفين اليهود كتاب "الأيام" إلى العبرية. تبرز عواطف أيضا زيارة طه حسين لمدارس الطائفة الإسرائيلية في الإسكندرية عام 1944، وتقديمه محاضرة في دار المدارس الإسرائيلية التي تناول فيها علاقة اليهود بالأدب العربي.

ولعل ما تشير إليه عواطف في كتابها يندرج تحت بند ظروف العصر، فلا يمكن لي كقارئ الكتاب إدانة تصرفات طه حسين آنذاك، فلم تكن قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني قد ظهرت بهذا الوضوح الحالي، ولكن عواطف عبد الرحمن تمضي بقوة أكبر، وتفند هذه الحجة، إذ تكشف أن طه حسين تلقى هجوماً في الصحافة العربية بسبب هذه المحاضرة، وأن الصحافة اليهودية تصدت للدفاع عنه، مما يعني أن مجايلي عميد الأدب العربي أدانوا هذه المحاضرة والزيارة.

الاختراق الصهيوني لمصر

تشير عواطف في الفصل الثاني من الكتاب إلى أن مراحل اختراق الصهيونية لمصر مرت بأطوار عديدة، أولها قبل صدور وعد بلفور عام 1917، تلفت هنا إلى أن هناك نشاطاً صهيونياً ملحوظاً شهدته القاهرة منذ العام 1896، حينما وفد إلى مصر جوزيف باروخ، الذي أسس أول جمعية صهيونية في القاهرة سماها "جمعية ركوخيا الصهيونية"، كما ترجع عواطف عبد الرحمن بداية النشاط الصهيوني بزيارة هرتزل لمصر عام 1904، لبحث مشروع الاستيطان الصهيوني مع السلطات المصرية.

ولعل المهم في هذا الجزء من الكتاب، الإشارات التاريخية التي تمنحها المؤلفة للقارئ، بخصوص تأسيس الاتحاد الصهيوني في مصر عام 1913، الذي ترأسه جاك موصيري أبرز الصيارفة المصريين عام 1916، عام واحد قبل صدور وعد بلفور. لكنها تعود مرة أخرى في هذا الجزء من الكتاب إلى اتهام طه حسين بأنه كان إحدى أدوات الاختراق الصهيوني لمصر، إذ تشير إلى أن الحركة الصهيونية اعتمدت على الصحافة المصرية للدعاية لها، ومنها "المقطم"، و"الأهرام"، ثم في الأربعينيات، فوجئ الرأي العام المصري، بأسلوب دعائي صهيوني جديد يتلخص في إصدار مجلة مصرية ذات طابع ثقافي ضمت نخبة من كبار المثقفين والمفكرين المصريين وهي مجلة "الكاتب المصري"، التي ترأسها طه حسين، تقول عواطف: تعرضت المجلة لحملة عنيفة من جانب بعض الصحف المصرية، مثل "مصر الفتاة"، متهمة إياها بالخضوع للسيطرة الصهيونية، وأن الهدف من إصدارها استقطاب المثقفين المصريين لصالح الحركة الصهيونية، وشراء صمتهم إزاء الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين.

تحيل عواطف قارئ الكتاب إلى مصدر آخر في هامش الصفحة التي وردت فيها الفقرة لكتاب آخر من إصدارها بعنوان "الصحافة الصهيونية في مصر من 1897 إلى 1954.


هل كان طه حسين أداة في يد الصهاينة لاختراق مصر؟

تحاول عواطف عبد الرحمن جاهدة القول إن طه حسين كان لعبة في يد الصهاينة، فتشير إلى أن شركة الإعلانات الشرقية التي أدارها الصهاينة في مصر، والتي تحكمت في تجارة الورق، استخدمت هذا السلاح، للضغط على الصحف المصرية، خصوصا أثناء الصحف المصرية، إذ كانت تمنح الصحف المصرية الموالية لها أولوية الحصول على حاجتها من الورق، مثلما حدث مع صحيفة الشمس الصهيونية ومجلة الكاتب المصري، التي يرأس تحريرها طه حسين، إذ أنهما حصلا على حاجتهما من الورق على الرغم من صدور القانون الذي يحرم بيع ورق الصحف، والاتجار فيه، ويعفي وزارة التموين من مسؤولية توفير الورق للصحف الجديدة.

وتمضي المؤلفة لتعدد المطبّعين الآخرين، أو هؤلاء الذين ساهموا في اختراق الصهاينة لمصر، ومنهم حكومة محمد محمود باشا، التي وقفت ضد ثورة الشعب الفلسطيني عام 1929، ولكنها تعود مرة أخرى إلى الإشارة أن طه حسين عرض رؤية المجلة إزاء الصراع الفلسطيني الصهيوني، من خلال إحدى مقالاته الافتتاحية، التي تناول فيها وصفا مفصلا لرحلته من القاهرة إلى بيروت، حيث أبدى تعاطفه مع المهاجرين اليهود على ظهر السفينة، وأشار إلى أنهم سوف يقيمون في وطن ليس وطنهم. تأخذ عواطف على طه حسين أنه لم يطرح الحل الصحيح للمشكلة، مكتفيا بقوله: ولكن في الأرض أوطانا كثيرة أقدر على إيوائهم من فلسطين.


كما تطرح المؤلفة في هذا الجزء أسماء من هددوا الفلسطينيين وأساءوا للقضية، وكانوا عوناً للصهاينة، ومنهم صحيفة "السياسة" التي هددت الوطنيين الفلسطينيين في مصر بالطرد لإثارتهم الفتن، وإسماعيل صدقي الذي تولى الوزارة عام 1930، وصادر وأغلق كثيرا من الصحف الوطنية المصرية المنددة بالصهيونية، وبطشه بجريدة "الشورى" الفلسطينية التي كانت تصدر في القاهرة ويرأس تحريرها محمد علي الطاهر من مؤيدى حزب الوفد، كما أن إسماعيل صدقي هو من اعتقل الفلسطينيين الذين هتفوا ضد بلفور أثناء مروره على القاهرة، وهو من رعى صحيفة إسرائيل التي أنشأها ألبرت موصيري منذ عام 1920.

كما أوفدت حكومة زيور باشا أحمد لطفي السيد مندوباً عن الجامعة المصرية لحضور احتفالات افتتاح الجامعة العبرية عام 1925، وهي الواقعة التي طاردت لطفي السيد طويلا، وحاول التملص منها وإنكارها.

يأخذ الكتاب شكل السرد التاريخي، ففي الفصل الثالث تتناول مؤلفته ثورة يوليو والمشروع الصهيوني، وقسمت هذا الجزء 3 أقسام، أولها الفترة الناصرية، وثانيها، الفترة الساداتية، ثم فترة مبارك، ثم ردود أفعال نتنياهو على ثورة 25 يناير. وفي هذه الفصول تؤرخ عواطف عبد الرحمن لأبرز معارك الصحافة المصرية مع التطبيع، ومنها المواجهة التي اندلعت ضد عبد المنعم سعيد ولطفي الخولي أثر زيارتهما إلى إسرائيل، وكذلك تفرد فصولا في الكتاب لوقائع التطبيع السياسي والاقتصادي خاصة في مجالات الزراعة والري، ودور يوسف والي مهندس التطبيع الزراعي مع إسرائيل الذي عقد مؤتمرا اقتصاديا في واشنطن لدراسة التعاون بين علماء مصر وإسرائيل، بل وتناولت المؤلفة مشروعات نقل المياه شرقا، ومحاولات إسرائيل لإقناع إثيوبيا ببيع جزء من حصتها المقررة من مياه النيل لها.

 

 

 

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها